الأسبوع الماضي أقيم بجدة تحت رعاية سمو الأميرة عادلة بنت عبد الله بن عبد العزيز المنتدى الثاني لمركز السيدة خديجة بنت خويلد، وشملت قائمة المشاركين معالي وزير العمل، ووزير الإعلام والثقافة، ونائبة وزير التعليم، بالإضافة إلى كوكبة مضيئة من المسؤولين والفقهاء والمختصين والمختصات لعرض المرئيات حول موضوع الساعة: مشاركة المرأة في التنمية الوطنية.
كانت كلمتي عن التخطيط الإستراتيجي لتحقيق هذا الهدف. موضوع ظل على رأس اهتماماتي منذ عدت إلى الوطن في نهاية السبعينات أحمل شهادة الدكتوراه لأجد أن دور المرأة في خطط التنمية كان بلا تفاصيل واقعية وعلى أرض الواقع محصور في التعليم والطب. في عام ثمانين ميلادية أعطيت محاضرة عامة عن دور المرأة السعودية في التنمية، فصلت فيها الكثير مما يمكن أن نعمله على مستوى المجتمع وكل المؤسسات الخاصة والرسمية لفتح باب مشاركة المرأة في التنمية بصورة واقعية متكاملة وقابلة للتنفيذ. نشر نصها في صحيفة الجزيرة واستقبلها المجتمع المثقف ومسؤولو وزارتي التخطيط والتعليم العالي وديوان الخدمة المدنية بترحاب كبير ونقل مقترحاتها طلبة الدراسات العليا في الخارج في أطروحاتهم.
اليوم، وصلت مواطنات نعتز بهن إلى مناصب إدارية عليا في مجالات متعددة.. ولكننا- في تناقض وتخوف مجتمعي واضح- ما زلنا نتناقش حول حضور المرأة في المجتمع ؛ بل وصاعد بعضنا المزايدة منشغلا باحتمالات افتراضية حول ضعف ثبات الرجل أمام فتنتها. لذا ما زالت مشاركة المرأة في سوق العمل لا تتجاوز نسبة ضئيلة لأسباب مجتمعية وأسرية. مع العلم بأن آخر تفاصيل التعداد السكاني تنذر بأن عدم التوازن في سوق العمل أصبح مشكلة مضاعفة بوجود ملايين الوافدين يمثلون ثلث عدد السكان:
هناك 18.707.576 مواطنا ومواطنة سعوديين يمثلون 68.9% من مجمل السكان منهم 9.527.173 من الذكور بنسبة 50.9% و9.180.40 من الإناث بنسبة 49.1%. وهناك 8.429.401 من الوافدين يمثلون 31.1% من السكان بينهم 5.932.974 من الذكور و2.496.427 من الإناث. وغالبيتهم يعملون في القطاع الخاص. وإذا أضفت أخبار القبض يوميا على أعداد ليست هينة من المخالفين المقيمين بصورة غير رسمية يمكننا القول إن النسبة المئوية الفعلية للوافدين إلى المواطنين هي في الحقيقة أعلى مما ذكر مساهمة في البطالة. ويبقى أن على القطاع الخاص أن يقوم بمسؤوليته الاجتماعية بتدريب وتوظيف المواطنين والمواطنات ليس فقط لتخفيف مشكلة البطالة، بل لمنع خروج المال من دورة الاقتصاد المحلي إلى الخارج.
عمل المرأة ليس قضية يمكن أن نستمر في تناولها من منطلق هل يسمح لها أن تعمل أم لا. هو ضرورة مادية ماسة على أرض الواقع؛ ليس فقط لأننا علمناها وأنتجنا ملايين خريجات الدراسة الجامعية وما تحتها، بل لأن هناك الكثير من النساء المحتاجات لدخل من الوظيفة، أو من مشاريعهن الخاصة لكي يعِلن أنفسهن وأطفالهن أو الأسرة كلها. والسؤال المهم هو كيف نجعل دورها أكثر عطاء ومردودا على كل الجبهات؟.
جزء متزايد من المجتمع يتأزم تحت خط الفقر لا يحل مشكلته أن تلجأ نساؤه إلى الجمعيات الخيرية ولا يكفي ما يقدمه الضمان الاجتماعي.
الأمر لا يحله الجدل. عمل المرأة تطور مفروغ منه. ولكن طبعا نحتاج لجعل مردوده أفضل بتخطيط مدروس وإستراتيجية مناسبة لأوضاع الحاضر موجهة لتحقيق طموحات واحتياجات المستقبل.
والنجاح مضمون بإذن الله بالبدء -كما فعلنا في تجربة نشر التعليم العام - باتخاذ قرار رسمي حاسم يستعيد الموضوع من مستوى النقاش المفرغ إلى مستوى التنفيذ المؤسساتي والتقبل المجتمعي.
ولنا عودة إلى الموضوع...