كنت في الدوحة بدعوة كريمة من وزير الثقافة الدكتور حمد الكواري كضيف في حفل توزيع جائزة الدولة لأدب الطفل، في الليلة ذاتها التي تم خلالها التصويت على من سيفوز بتنظيم مونديال كأس العالم 2022، وقد تم زفّ الخبر في مسرح قطر الوطني قبيل البدء بفقرات الحفل، فضجّت القاعة بالتصفيق وصيحات الفرح، وانعكس ذلك بالطبع على كلمة الوزير الذي ابتهج بهذا الفوز العظيم.
من لا يعرف قطر، أو من يتذكرها قبل عقد من السنوات على الأقل، قد يصاب بدهشة أن تصبح أول دولة عربية، أول دولة إسلامية، أول دولة في الشرق الأوسط، وثاني دولة في القارة بعد مونديال اشتركت فيه دولتان تعتبران من أقوى دول العالم اقتصادياً، وهما اليابان وكوريا الجنوبية، تحظى بشرف تنظيم أهم حدث عالمي تتوجه فيه أنظار العالم إلى بلد صغير بحجمه كبير بمنجزاته.
لكن من يعرف هذه الدولة ويتابع منجزاتها السريعة، يدرك أن إرادة الإنسان وإصراره لا يمكن أن يحدّها طموح، وأن الحلم الذي يتبعه عمل دؤوب وتغلب على الصعاب لابد أن يتحقق بعزيمة الرجال. كنت أسأل نفسي ذاك المساء بين أهازيج الشباب القطري وبهجتهم في شوارع الدوحة، هل هذه هي الدوحة التي زرتها مشاركاً بمهرجان القصة والشعر للشباب الخليجي عام 1988م حينما لم يكن هناك سوى فندق شيراتون الدوحة المطل على البحر؟ بل هل هي الدوحة في مهرجانها الثقافي الأول عام 2003م؟ لا أعتقد ذلك إطلاقاً. فقبل عشرين عاماً لا يكاد الزائر يرى بناية أكثر من بضعة أدوار، ولا مكان يحتضن الأنشطة الثقافية سوى نادي الجسرة الثقافي، ولا يمكن رؤية المرأة في الشارع، بينما الآن نبتت ناطحات السحاب كما لو كانت في حلم، وأصبحت وزارة الثقافة في إحدى هذه البنايات بما يقارب اثنين وعشرين طابقاً، وتحولت المرأة التي كانت تذهب إلى دول الخليج للدراسة إلى امرأة قيادية، أصبحت سفيرة ووزيرة وصاحبة قرار سياسي مهم ومؤثر، فما يحدث من تطور لم يكن شكليا أو مظهريا على مستوى البنايات وما شابه، بل هو تطور الإنسان وتعليمه بشكل لافت.
علينا إذن أن نحتفل مع قطر في كسب تنظيم المونديال، وعلينا أن نقف ونصفّق احتراماً لهذه الدولة العربية الخليجية التي استطاعت أن تخطف المونديال من منافس شرس وقوي كالولايات المتحدة الأمريكية، وبعد إعلان هزيمة إنجلترا العظمى أمام روسيا، فأن تخفق أهم وأقوى دولتين في العالم، أمريكا وبريطانيا في تنظيم هذه التظاهرة العالمية الكبرى، وتظفر بها قطر، هو بحد ذاته منجز عظيم.
ولولا مساحة المقال التي توشك أن تنتهي، لكنت تحدّثت عن مشاريعها الأخرى في مجال الثقافة، والطموح في إحداث قفزات عالية، كشراكة مؤسسة قطر مع دار بلومزبري البريطانية المعروفة، وإحداث نقلة صحفية مهمة، وإعادة بعض الصحف القديمة في قطر في شكل متجدّد كصحيفة العرب، ومجلة الدوحة الثقافية، رغم أن هذه الأخيرة تعثّرت ولم تكن في مستوى الطموح، إلا أن ثمّة رغبة جادة في ملامح هؤلاء في أن يضعوا العالم بأكمله في قلب قطر المستقبل.