في مدرسة أعدها والده الملك عبد العزيز -رحمه الله-، بقصره بالرياض، بدأ يطل على عالم المعرفة الفسيح ويفتح كوة خاصة إلى العالم، يرى بها من منظور أراده له الوالد، رحمه الله.
من هنا انفتح أفقه واتسع، بدأ ينهل من الثقافة الدينية ويعي تفاصيلها ويتمعن في معانيها، ويغرف بماعونه من دروس اللغة العربية والحساب، وحفظ القرآن الكريم وتجويده.
وكان الملك عبد العزيز -رحمه الله- يولي هذه المدرسة عناية خاصة، فيختار لها المعلمين الأكفاء والمدرسين من ذوي الثقافة الدينية والعربية، وبلغ اهتمام الملك عبد العزيز بهذه المدرسة أنه كان إذا خرج إلى مخيماته البرية للنزهة والقنص يأمر بأن يقام إلى جانب مخيمه معسكر مدرسي، يضم مخيماً لمدرسة الأمراء، وحتى عندما يرحل للحجاز لقيادة الحج أو العمرة، يأمر بإنشاء قسم في قصره ليكون مقراً لتلك المدرسة. وجدت لزاماً علّي أن أدلف بهذه المقدمة للحديث عن صاحب السمو الملكي الأمير مساعد بن عبد العزيز، ولأمتع القارئ في الجو الفكري والبيئة التي نشأ وترعرع فيها، لأقيم عليها حديثي عنه، فالحاضر بكل تجلياته وتداعياته، ولا يستقيم فهمه إلا إذا أرسيناه على أساس الماضي بكل أبعاده.
و الأمير مساعد بن عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، (1344 - 1923) هو الابن الثاني عشر من أبناء الملك عبد العزيز، مؤسسة المملكة العربية السعودية، ووالدته هي الجوهرة بنت سعد السديري، وأشقاؤه هم الأمراء، سعد الثاني، توفي عام 1993م، الأمير عبد المحسن توفي عام 1993 م والأميرة البندري التي توفيت عام 2008م، وسمو الأميرة حصة بنت عبد العزيز.
أبناؤه هم الأمير خالد والأميرة الجوهرة والأمير فيصل والأمير سعود والأمير بندر والأمير مشهور والأميرة مضاوي والأميرة لطيفة والأمير يوسف والأمير نواف والأمير محمد والأمير عبد الله (رجل الأعمال ورئيس الهلال السابق وعضو شرفه الحالي) والأميرة سارة والأمير عبدالرحمن (الشاعر المعروف ورئيس الهلال الحالي) والأميرة مشاعل والأمير عبد العزيز والأميرة منيرة والأمير عبد الحكيم والأميرة سلطانة والأميرة صيتة.
كانت لبدايته الأولى والتحاقه بتلك المدرسة دوراً مفصلياً في أن ينشأ متدينا، ملتزماً بحدود دينه، ورعاً، تقياً، يُعمِل موجهات الإسلام في كل تفاصيل حياته ويسترشد بها ويهتدي عليها.
يستمسك بعروة الدين التي لا انفصام لها.. ويُعلي من قيم الإسلام ومنهاجه، دون غلو، بل في اتزان تام، لا ينسى معه أن ينال حظه من الحياة الدنيا.
كل الذين جالسوه عرفوا عنه ذلك، لمسوه عن قرب إذ هو يجسد سلوكاً ونهجاً، وينطلق هنا من قناعات راسخة مفادها ومؤداها أن الدين منهاج متكامل للحياة، ينظمها ويقننها ويصنع قوانينها.
ويتصف الأمير مساعد بصفة الورع، كصفة جامعة لكل صفات الكمال، قال ابن عطاء السكندري رحمه الله: «ليس يدل على فهم العبد كثرة علمه، ولا مداومته على ورده، وإنما يدل على نوره وفهمه، وغناه فهمه غناه بربه وانسياقه إليه بقلبه والتحرر من رق الطمع والتحلي بحلية الورع».
وورعه هنا ليس الورع السلبي إنما الإيجابي، الذي يجعل الفرد منصهراً في بوتقة معاني الإسلام مقيماً عندها لا يبارحها، متواصلاً معها عبر الزمن.
ويعرف عن الأمير مساعد اهتمامه اللامحدود بالأدب، كمنتج فكري يلاقح بين تجارب الأفراد والشعوب، ويقرب من المسافات، ويلغي الحدود، وانحيازه إليه، هنا في المقام الأول إنساني من الدرجة الأولى، يهمه فيه جودة المعني ونيل الفكرة وروعة الأداء.
و الأمير مساعد يعرف كيف ينهل من موج الأدب وكيف يحتضن برؤيته الخاصة أجناسه المتعددة من شعر ونثر وقصة ورؤية، تعينه في ذلك ثقافة عابرة للحدود، تؤهله لكي يعمل مصنع نقده.. فيما تقع عليه عيناه من نتاج. وهو ليس متلقياً عادياً، بل متلقياً بفهم ووعي، ينتج إزاء ما يقرأ ويشاهد ويحسن شعراً، عميق المعنى، جميل المبنى، يشهد بعظمة فكره ورؤياه.
وقلما نلمح أو نجد الأمير مساعد عبر وسائل الإعلام، فهو قليل الظهور فيها، لا يحب الأضواء، ولا يعشقها ولا يسعى إليها.. فهو ضوء ونبراس يضيء للآخرين دروبهم. وله في عدم الظهور الإعلامي فلسفة خاصة به، بناها عبر تجربة طويلة وحياة حافلة بالبذل والعطاء.. دون منٍّ أو أذى.
أرفع أكف ضراعة للمولى -عزوجل- أن يسبغ عليه ثوب الشفاء والصحة والعافية، وأتضرع إلى الله جل في عليائه أن يتجاوز الوعكة الصحية التي ألمت به وألزمته فراش المرض بالمستشفى فترة من الزمن.
(*)باحث ومهتم بالصور والمعلومات التاريخية