من أبرز سمات هذا العصر سمة الشفافية، فلا شيء يخفى الآن على أحد، هو عصر الوضوح بخيره وشره بلاريب. ولكن هل استفادت البشرية من هذا الوضوح؟ كل الدلائل -مع عظيم الأسف والأسى- تشير للإجابة السلبية. والبراهين على ذلك كثيرة دامغة، فعورات العديد من مسئولي العالم تعرتْ، وأخطاؤهم التي كانت في الخفاء برزتْ ظاهرة للعيان دون مواربة، ولكن ما زالت على قيد الحياة
باقية، فسجن جونتنامو الذي حشرت فيه أمريكا السجناء العرب بريئهم مع مخطئهم من وجهة نظرها، ما زال مظهراً لسانه بتحد رغم كل الوعود الخجلى بإغلاقه، وسجن أبو غريب لا يزال يرزح سجناؤه المعذبين فيه بأقسى صنوف العذاب رغم كل الصور البشعة التي نُقلتْ عنه.
أما آخر ما نقل إلينا عصر الشفافية من أهوال عظام تقشعر لها الأبدان، هو أخبار قمع واعتقال العديد من أهل السنة في العراق، من قبل حكومة العراق التي أعادت انتخاب نفسها! وذلك من خلال ما نشره موقع ويكي ليكس الشهير من وثائق عديدة مؤكدة وصلت لأكثر من أربعمائة ألف وثيقة سرية رسمية في العراق، أخرجها لنا عصر الشفافية، ضد بعض من تولوا أمور العراق والعراقيين ونسوا العدالة التي كانوا يتباكون عليها أيام صدام حسين، فطبقوا مبدأ: العاجز من لا ينتقم. وهكذا ستصبح الحياة وتمسي عبارة عن دورات انتقام بالتناوب لا تتلكأ أبداً؟!.
حيث يبدو أن هناك من سياسيي العرب من هو على استعداد للتحالف مع الشيطان في سبيل تحقيق مآربه، وبقائه في منصبه حتى لو خربها ودلى رجليه على تلها! فمن الواضح لجميع المراقبين أن قادة فارس هم المسيطرون على الأوضاع في العراق، تحت ستر الولاء المذهبي، بمباركة أمريكية، تريد أن تثبت انتصارها الموهوم في العراق بأية طريقة كانت، دون حساب لتوازن كفتي الميزان فيه، ربما لمآرب سياسية بعيدة وقريبة على حد سواء تعتمد مبدأ فرق تسد، لاسيما وأن هذه النظرية السياسية تعد ناجعة مع كثير من مسلمي هذا الزمان القابلين للتشرذم الذي يسعى إليه قيصر وحليفه كسرى.
فأين المناداة الغربية بالديموقراطية التي جعلت منها عصا غليظة تهدد بها العالم العربي والإسلامي، وما فائدة الشفافية الإعلامية إذا لم تحقق مبدأ العدالة الحقيقية والمساواة التي تؤدي لأمن الجميع قويهم وضعيفهم، أم هي تناقضات القيم الغربية وبالتحديد النظريات الإمريكية التي تطبقها مع من تشاء وضد من تشاء، ثم أين المجتمع الدولي وأين المحكمة الدولية؟ أم أن القول هو ما قالت حذام!.
ولن نقول أين العرب وأين أهل السنة، وذلك لأننا تعودنا منهم تقديم التنازلات تلو التنازلات حتى طمع عدوهم فيهم وحق له ذلك! حيث من الواضح أن ما نُشر ويُنشر من وثائق عن ظلم فئة من أبناء العراق إنما هو غيض من فيض الظلم والمذابح والفضائح التي ما زالت تحل بهم، وأكبر دليل هو اختفاؤهم من كل مشاهد حكم بلادهم كبيرها وصغيرها، بل يخال للمتابع أنه لم يعد لهم وجود البتة. فإلى متى لا تتعادل كفتا الميزان، ومتى تستفيد البشرية من عهد الشفافية؟!