عندما يغيّب الموت عزيزاً علينا تبرز تلك المساحة التي كان يحتلها بعطائه وبحضوره وخاصة إذا كان الفقيد صاحب عطاء واسع ويشغل حيزاً في حياة أصدقائه ومعارفه.
والدكتور محمد عبده يماني - رحمه الله - ودع الدنيا لكن مكانته ومآثره لن تنتهي وسيظل حياً في قلوب من عرفوه وتعاملوا معه، بل ستظل مآثره خالدة لأجيال تتجاوز جيله وجيل معاصريه.
ويظل الفقيد أسمى من كل كلمات الرثاء التي يمكن أن تقال في مثل هذا الموقف، وكم ترددت أن أكتب عنه لكن واجب الوفاء لرجل بحجم وقامة الدكتور محمد عبده يماني يقتضي أن تكون لنا وقفات مع سيرته العطرة وذكراه الطيبة حتى وإن ابتعدنا قليلاً عن زمن رحيله أو تجاوزنا تقاليد المناسبة التقليدية.
عرفت الفقيد الراحل في فترة مبكرة قبل أن يكون وزيراً للإعلام، وكان ناصحاً أميناً يزينه تواضع جم وخلق كريم مع كل معارفه وأصدقائه وعندما تقلد منصب وزير الإعلام لم يتغير سلوكه وكان يتجاوز أعباء مسؤوليته ليجد من وقته مساحة لمواصلة الإخوان وتعهد الأهل والمعارف.
ترددت ذات يوم في توجيه الدعوة إليه للعشاء في منزلي إشفاقاً على الرجل وتقديراً لمهام مسؤوليته إبان توليه حقيبة الإعلام، لكنه قبل الدعوة وكان كريماً بحضوره وممتعاً بحديثه وظلت ذكرى ذلك اللقاء محفورة بعمق الذاكرة رغم تعدد اللقاءات وتكرار المناسبات التي جمعتنا.
كان الفقيد - يرحمه الله - عالماً جليلاً ومثقفاً نادراً وصاحب تأملات يعرفها كل من اقترب منه إلى جانب قدرته الإدارية ونظرته الإنسانية في التعامل مع كل الذين عملوا معه، إلى جانب ورعه وعفة نفسه وحبه لعمل الخير وليس أدل على ذلك من عمله في تأسيس وقيادة جمعية أصدقاء مرضى القلب والتي أسهمت في مواساة مرضى القلوب العضوية من داخل المملكة وخارجها بإنسانية سامية وراقية.
اختار - رحمه الله - أن يكون قريباً من القلوب الموجعة وكان موفقاً من الله في ذلك وهي واحدة من مآثره الكثيرة التي ستظل تخلد اسمه وذكراه كواحد من أبناء هذا الوطن المعطاء والأرض الخيرة المباركة التي كم أنجبت للأمة من عظماء وكم قدمت للأجيال من نماذج مضيئة.
لم يكن رحيل الدكتور محمد عبده يماني خسارة لأسرته وذويه ولكنه خسارة لكل من عرف الرجل وقدر له أن يتعامل معه وليس بأيدينا غير أن نبتهل إلى المولى عز وجل أن يتغمده بواسع رحمته وأن يجعله مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا، ودعوة لكل أبنائنا أن يتعلموا من سيرة هذا الرجل وأمثاله تلك المعاني السامية التي تجعل من الإنسان إنساناً حقيقياً مفتاحاً للخير مغلاقاً للشر. وعوداً على بدء أبث أبناء الفقيد وكافة أسرته أحر تعزية وأصدق مواساة، سائلاً الله العلي القدير أن يلهمهم الصبر والسلوان وأن يجعل عزاءهم في فقيدهم رحمة منه تتنزل على روحه ويعوضهم عنه خيراً.
محمد الحماد - رئيس مجموعة البيان القابضة