أخي العزيز د. خالد: مشكلتي تتمثل بعدما حزت على ترقية في الشركة التي أعمل بها، حيث بدأ من حولي خصوصا الزملاء السابقين بالتربص لي ومحاولة تشويه السمعة والإضرار بي. ويعلم الله أنها محاولات كثيرة والله يكشف سترهم أمامي، أعيش الآن في حالة من القلق والترقب وأريد منك أن تدلني على طريقة أتعامل بها مع هؤلاء الحساد.
ولك سائلي الفاضل الرد:
حياك ربي أيها العزيز وأبارك لك ترقيتك واسأل ربي أن يسددك وأن يحسن مقاصدك ويحميك من شر الحساد.. وبالنسبة لحال بعض من حولك معك فالأمر لا يتطلب مزيدا من التأمل والتشخيص والقراءة، فالأمر جلي حيث إنهم قد ابتلوا بالرذيلة الأقبح والأقدم على مستوى البشرية ألا وهي رذيلة الحسد، فما إن تجتمع الصفات الطيبة عند أحدهم، وتتراكم الإنجازات في سجله حتى تضيق الأرض بما رحبت على الأشقياء وتجدهم كمن يتنفس من سم خياط عندما يذكر صاحب النعمة أمامهم! فالكسول يرى في الجد طعنة له، والقبيح يرى أن الجمال تهديدا له، والأبله يرى في النباهة عدوانا على شخصه، والتنابلة الفاشلون يرون أن التفوق والنجاح تحقيرا لشأنهم، وضعفاء الهمة يرون في الطموح سما ناقعا !! فما حيلة العظماء وكيف يتقون شر أصحاب الأمزجة الرديئة والفطر المنقلبة؟
ولا أقبح من زميل يظهر الود ويلبس مسوح الصادقين وداخل جوانحه نفسٌ ترتع فيها بكتيريا الأنانية والحسد. يقول معاوية: «ليس في خصال الشر أعدل من الحسد, يقتل الحاسد قبل أن يصل إلى المحسود «وقال أيضاً: « كل الناس أستطيع أن أرضيهم إلا الحاسد فلا يرضيه إلا زوال نعمة الله عني، وكيف يداري المرء حاسد نعمةٍ، إذا كان لا يرضيه إلاّ زوالها.
ولم أتعجب من حسد زملائك لك، فمن المعروف تحاسد الأقران وتطاولهم على بعض، وقلما تجد حدادا يحسد معلما أو حلاقا يحسد طبيبا, والحسد للأسف وصل حتى لبعض العلماء ولم يسلم منه بعض الأئمة، فقد تكلم الإمام مالك في ابن إسحاق وكذَّبه، وقال: (هذا دجَّال من الدجاجلة)، ولم يقبل العلماء قول مالك على الرغم من إمامته، وقبلوا رواية ابن إسحاق ووثَّقوه.. ولذلك لما نظر العلماء إلى هذا قرروا قاعدة مهمة في هذا الباب وهي قولهم: كلام الأقران يطوى ولا يروى !
وإليك بعض التوجيهات التي اسأل ربي أن ينفع بها:
1 - تذكر أنك لن ترد أحدا من حسدك ولن تستطيع أن توقف البعض من الحديث عنك أو الإضرار بك, وإن أردت أن لا تصيبك سهامهم مطلقا فلا تقل شيئا ولا تفعل شيئا ولا تكن شيئا!! فجريمتك الأكبر عند البعض هي تفوقك!! ولن يرضيهم إلا التنازل عن إبداعاتك ومواهبك.
2 - لا تقطع هؤلاء الزملاء ولكن خفف من التواصل معهم وتآلفهم بالسلام عليهم والسؤال عن أحوالهم ومشاركتهم أفراحهم وأتراحهم يقول الجاحظ: (فإذا أحسستَ رحمك الله من صديقك بالحسد فأقلل ما استطعت من مخالطته، فإنه أعون الأشياء لك على مسالمته، وحصِّن سرك منه تسلم من شذاة شره وعوائق ضره، وإياك والرغبة في مشاورته، فتمكن نفسك من سهام مساورته، ولا يغرنك خدع ملقه وبيان زلقه فإن ذلك من حبائل ثقافه). ويقول ابن الجوزي رحمه الله: (فإن أردت العيش فأبعد عن الحسود.. فإن اضطررت إلى مخالطته فلا تفش إليه سرك ولا تشاوره، ولا يغرنك تملقه لك، ولا ما يظهره من الدين والتعبد، فإن الحسد يغلب الدين).
3 - توكل على الله، فمن توكل على الله فهو حسبه، والتوكل أقوى الأسلحة التي يدفع بها الإنسان أذى الخلق وظلمهم وعدوانهم، فمن كان الله كافيه وواقيه فلا مطمع فيه لعدو ولن يضره كيد.
وعليك بالأوراد اليومية فهي حصن منيع وسد قوي ضد شرور الأشرار وكيد الفجار، ولا تقف عن السير في طريق النجاح واخلص نواياك وثق بربك ونفسك.
4 - أبرز لهؤلاء الحساد نقاط قوتهم وجوانب التفوق لديهم حتى تخفف من زاوية تركيزهم وتشعرهم بقيمتهم.
5 - أخفِ عظيم النعم عنهم ما أمكنك مقتديا بنبي الله يعقوب - عليه السلام -عندما قال لابنه يوسف - عليه السلام - خوفاً عليه من حسد إخوته له: (يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيداً إن الشيطان للإنسان عدو مبين)، وعندما قال لأبنائه: (يا بَنيَّ لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة) يقول ابن القيم رحمه الله: (وليس للمحسود أسلم من إخفاء نعمته عن الحاسد وأن لا يقصد إظهارها له، ولهذا يوصي الحكماء بحفظ السر مع الله وأن لا يطلعوا عليه أحدا ويتكتمون به غاية التكتم). ويجدر الحذر من المبالغة في التحوط والقلق الشديد من ظهور بعضها ومداومة التفكير في ذلك ومراقبة تصرفات الناس خوفاً من حسدهم قد تتحول إلى مرض يجلب لصاحبه الوساوس والمتاعب ويستحسن عدم إفشاء السر إليهم، وقد قيل: إذا سرك أن تسلم من الحاسد فغم عليه أمرك.
6 - استخدم تقنية ما يسمى (العزلة الشعورية)، وتعني عدم التركيز عليه وتجفيف منابع التفكير فيه.. اسأل ربي أن يسددك ويحميك ويوفقك للخير.
شعاع:
كن ذكياً حتى لو عوملت بغباء.