دولة بحجم المملكة العربية السعودية، لها ثقلها التاريخي والحضاري، ومركزها الحيوي الجيوبولوتيكي، ووزنها السياسي والاقتصادي في العالم كله. وتعيش في منطقة هي من أكثر مناطق العالم اضطرابا، بسبب تدهور الأوضاع الأمنية، واحتدام الصراعات، وتزايد عدم الاستقرار في
مناطق مهمة، كفلسطين والعراق، أو في مناطق مجاورة لها، كأفغانستان والصومال. تعتبر - بلا شك - سجلا مهما، يوثق الكثير من الأحداث التاريخية، والإنجازات الحضارية.
إن التكوين السياسي للمملكة، القائم على منهج الاعتدال والاتزان، هو انعكاس لدورها المحوري المتنامي في العالمين - العربي والإسلامي -، والتأثير في السياسة الدولية. ولذا لا غرابة أن تتسم سياسة المملكة بتوجهاتها السلمية، القائمة على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى. كما أنها قائمة على احترام سيادة الدول الأخرى ومصالحها المشتركة، التي تعود بالفائدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية على الجميع، بل إن ذلك يعتبر جزءا من المحافظة على الأمن والسلام في المنطقة.
تأمل على سبيل المثال، كيف استطاعت المملكة، أن تلعب دورا مهما في ظل ما تشهده الساحة العربية من تمزق واختلاف، وتباين في المواقف والرؤى، وذلك من خلال التأثير في صنع القرار السياسي على المستوى الخارجي، وذلك بعد استيعاب واستقراء التطورات الدولية، وتحديد الأطر التي يمكن من خلالها فهم تلك المنطلقات؛ من أجل المساهمة في الجهد الإقليمي، وتعزيز الأمن والسلام، والحفاظ على الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط. كما تسعى المملكة دوما؛ لتنمية علاقاتها مع الدول الصديقة. والدفع بكل ما من شأنه تحقيق الأمن، والاستقرار، والتنمية في المنطقة. والعمل على تحقيق التوافق، والتكافؤ، والسلام في أرجاء العالم.
دائما ما تحمل السعودية إسرائيل مسؤولية عدم استقرار المنطقة، وتطالبها بوضع حد لاحتلالها للأراضي الفلسطينية، والعربية. والكف عن إستراتيجية التسويف منذ مؤتمر مدريد للسلام، عام «1991 م». فطريق السلام، يكمن في مبادرة السلام العربية، وفي إيجاد المناخ الكفيل بتوحيد الصف الفلسطيني. وأن ما تقوم به إسرائيل من تغيير قسري، للواقع المعاش فيما تبقى من الأراضي الفلسطينية، وسياسة المكابرة، لن تؤدي إلا إلى المزيد من العنف، الذي سيطال الإسرائيليين قبل غيرهم. ويزيد من ابتعاد المجتمعات العربية عن الدول التي تدعم، وتساند، وتصمت عن هذه السياسات. فالمملكة - كانت ولا زالت - من أشد الدول دفاعا عن القضية الفلسطينية، وذلك منذ أن خاطب جلالة المغفور له - بإذن الله الملك عبد العزيز، الرئيس الأمريكي، بقوله: «إن عرب فلسطين، ومن ورائهم سائر العرب، بل سائر العالم الإسلامي يطالبون بحقهم، ويدافعون عن بلادهم».
وعملت المملكة على حل القضية الفلسطينية، وتحقيق الوحدة بين الفلسطينيين بين - حركتي - فتح وحماس، وإيجاد المناخ الكفيل بذلك، والتوجه نحو الحوار؛ لإنهاء الأزمة، لأن في التوصل إلى حل داخلي مصلحة وطنية للجميع، وليس لطرف دون آخر. وسيقطع الطريق إلى حرب أهلية، ويسد كل مشروع يريد استثمار حالة الاحتقان، والفوضى السياسية والأمنية التي تعيشها القضية الفلسطينية هذه الأيام. كما أن تغليب مصلحة الشعب الفلسطيني فوق كل اعتبار، ولا يتأتى ذلك إلا من خلال تحصين الجبهة الداخلية، ووحدة الصف والكلمة.
كما وقفت السعودية ولا تزال، مع الشعب اللبناني بكل أطيافه، عبر خطوات ملموسة في طريق حل سياسي، يضمن للبنان استقلاله، وينهي التدخلات الخارجية في شؤونه. والتأكيد على استقرار لبنان، وضرورة التزام اللبنانيين بعدم اللجوء إلى العنف؛ لحل خلافاتهم. وتغليب المصلحة اللبنانية فوق أي مصلحة، وطي صفحة الماضي. إذ لا مصلحة لأي طرف لبناني، في أن تتحول البلاد إلى ساحة حرب داخلية، قد تأخذ طابعا مذهبيا خطيرا. ولذا كانت الزيارة المشتركة، التي قام بها الملك عبد الله، والرئيس السوري بشار الأسد، رسالة تأكيد على تمسك الزعيمين بورقة الاستقرار في لبنان، والمراهنة على ذلك. والسعي إلى تحقيق مصالحة وطنية شاملة، تمكنهم من تحقيق العدالة، وتثبيت الأمن والسلام.
وفيما يخص الشأن العراقي، تمثلت سياسة المملكة في دعم العراق، من مبدأ الشعور بالمسؤولية الإنسانية قبل السياسية، حتى يصل إلى تحقيق الأمن والاستقرار والازدهار. وتزيد من مسؤولية القيادات العراقية، تجاه البحث عن صيغة للوفاق السياسي يضمنها الدستور، وتحقق العدالة، والمساواة، والاطمئنان لجميع العراقيين. وتؤدي إلى تأكيد استقلال العراق، كوطن واحد. وانتصار قوى المحبة والتسامح والسلام، على قوى الحقد والتطرف والإجرام. ومن هذا المنطلق، أتت مبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله ، والتي وجهها إلى الرئيس العراقي جلال طالباني، وإلى جميع الأحزاب التي شاركت في الانتخابات، والفعاليات السياسية العراقية؛ من أجل تحقيق المصالحة، والتفاهم، وإزالة الخلافات. وقد رحب الدكتور إياد علاوي، رئيس ائتلاف «العراقية»، والرئيس الأسبق للحكومة العراقية ، بمبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله. وأكد على أنها فرصة مهمة للحوار بين الفرقاء، أو الأطراف العراقية؛ لتحقيق عدة أمور، لعل من أهمها: تحقيق المصالحة الوطنية، ولقاء الكتل السياسية العراقية مع إخوانهم العرب، باعتبار أن المبادرة ستكون تحت مظلة الجامعة العربية، والتأكيد على أن عمق العراق الإستراتيجي، هو دول الجوار العربي، وليس إيران.
وفي اليمن، فإن المملكة تنظر إلى أمنها، بأنه أمن المملكة، فهو هم مشترك. ولذا فإن العمل مستمر بين البلدين على مختلف المستويات؛ لحماية هذا الأمن من أية تدخلات خارجية. فاليمن لا يعيش بمعزل عن العالم، واستقراره استقرار لأمن دول منطقة الخليج العربي.. وهذا بلا شك سيصب في تعزيز قدرات الحكومة اليمنية، وتوفير الاستقرار للبلاد، وحرمان العناصر الإرهابية من إيجاد ملاذ آمن.
فالمسؤولية جماعية، وليس عملا فرديا، يخص أمن كل دولة على حده. وهذا ما أكده وزير الداخلية السعودي - سمو الأمير - نايف بن عبد العزيز، للصحفيين في مكة المكرمة - قبل أيام-، من: «أن الوضع الأمني في اليمن، يتساوى في الأهمية بالنسبة لوزارته، مع أهمية الأمن في المملكة». إضافة إلى أن التميز في العلاقات الوثيقة، والتي تعبر عن المصالح المشتركة للشعبين الجارين، عكست بمضامينها نموذجية التنسيق المشترك بين البلدين، القائم على التعاون والاحترام المتبادل، وبما يخدم المصالح المشتركة بينهما.
وما جرى ويجري على الساحة الصومالية من حرب أهلية، أوصلته إلى فوضى شاملة في أرجاء الحياة، جعلت المملكة تتخذ مبادرات جادة؛ من أجل المصالحة الوطنية بين جميع الفرقاء الصوماليين. ومساندته ماديا ومعنويا؛ لتوحيد صفوفهم. إضافة إلى التأكيد على الأهمية الإستراتيجية للتطورات السياسية في حوض البحر الأحمر ، وعلى ضرورة أن تتحمل القوى الإقليمية مسؤولياتها، بعيدا عن محاولات الهيمنة، وإذكاء الفرقة.
ورغم كل التحديات العاصفة التي تشهدها المنطقة من ملفات ساخنة، ومتغيرات إقليمية ودولية دقيقة وحساسة، وارتفاع حدة التوتر في عدد من القضايا، التي تربط بشكل وثيق علاقة إيران بدول الخليج. فإن سياسة المملكة قائمة على أن: إيران بلد متجذر في تاريخ المنطقة، وسياسة المملكة تدعم إيجاد الحلول الدبلوماسية في اعتماد مبدأ الحوار السلمي؛ لفض المنازعات، فيما يخص ملفها النووي. ودعواتها إلى التخلي عن لغة التوتر والتصعيد، وتبني الحلول الدبلوماسية في تسوية الأزمة، ومن ذلك: التعاون الكامل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية. فمن حق دول الخليج أن تطمئن إلى نياتها تجاهها، لاسيما أنه لا يوجد لإيران خصوم في المنطقة.
بعد كل هذا الاستعراض السابق، والذي يؤكد على أن المملكة، تقف ضد أي محاولات؛ لزعزعة الأمن والسلام والاستقرار في المنطقة، وغيرها من المناطق الساخنة. لأنها تدرك أن المواقف السياسية لا تحتاج إلى العاطفة، قدر احتياجها إلى الحكمة والعقل والحقائق. يتعمد موقع «ويكيليكس» بتسريب مراسلاته الخارجية - قبل أيام -، بشكل موارب من القضايا السعودية؛ لمزاعم ركيزتها الكذب والبهتان، وإثارة الضجيج واللغط، بشأن طلب المملكة من الولايات المتحدة الأمريكية، القيام بالهجوم على إيران؛ من أجل إشعال أزمات دبلوماسية عالمية، وإلحاق الضرر بعلاقات الدول مع بعضها.
إن سياسة الرفض القاطع؛ لانتهاك سيادة إيران، سياسة واضحة تنتهجها المملكة، وعبر عنها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله في أكثر من مناسبة. فأي هجوم سيؤدي إلى عواقب غير متوقعة، لا يمكن السيطرة عليها. بل ستؤدي إلى إشعال حرب جديدة في المنطقة، وستعد مغامرة رهيبة غير محسوبة النتائج. هذا عدا الآثار الجانبية، والتداعيات المدمرة التي سيخلفها مثل هذا الهجوم، من مشاهد حرب طائفية، وأزمات اقتصادية خانقة. وسيقلب -رأسا على عقب- التحالفات الإستراتيجية في المنطقة، بل والعالم.
إن المملكة استوعبت التحديات والمتغيرات العالمية، التي اقتضتها طبيعة المرحلة. وهي تضطلع بدور كبير في المنطقة، - فضلا - عن زعامتها الإسلامية، مما جعلها محط أنظار العالم، وقدرتها على لعب دور الوسيط والنزيه؛ لحل أزمات المنطقة. ومن يتأمل السياسة الحكيمة التي انتهجها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله، يجدها سياسة هادئة في قراءة الأحداث، متسمة بالعقلانية، بعيدة عن المزايدات، فساهم - يحفظه الله - في تعزيز مكانة المملكة على الصعيدين الدولي والإسلامي. ولذا لا غرابة أن نرى الحضور والتقدير والاحترام الدولي المتزايد للملك عبد الله، الذي هو انعكاس؛ لدوره في خدمة أمته العربية والإسلامية، وخدمة قضاياها المصيرية.