دشن معالي الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الشيخ عبد العزيز الحمين مطلع هذا الأسبوع في ملتقى مديري فروع هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الخامس الذي تحتضنه المنطقة الشرقية، دشن مرحلة جديدة في تاريخ الهيئات، تضع رجل الحسبة وجها لوجه أمام الفكر عموماً وفكر التطرف والإرهاب على وجه الخصوص، ومع أن هناك جهودا مضنية بذلت قبل الوصول إلى هذه المرحلة المتقدمة في مطارحة الأفكار ومنازلة أصحابها من قبل المسئولين في هذا القطاع الوقائي المتفرد، تمثلت في عقد شركات مع عدد من الجامعات السعودية، وتوقيع كراسٍ علمية متخصصة وذات بعد معرفي واسع، وتدريب، وتطوير، وإعادة هيكلة، واستقطاب للطاقات، وعقود استشارات، ورسم خطط إستراتيجية طويلة وشاملة، و... مع كل ذلك إلا أنني أتعزز لكثير من منسوبي الفروع المنتشرة في مناطق المملكة وأتمنى لهم النجاح، فمحاكمة الفكر وإنكاره في ظل الخضم الهائج والبحر المتلاطم من الرؤى والكتابات في عالمنا المعاصر ليس بالأمر السهل، فضلاً عن أن الكثير ممن يتسربلون بالفكر الضال مثلاً من الصعوبة بمكان سبر قناعاتهم والدخول إلى عالمهم، إضافة إلى أن مناقشة الأفكار ومحاورة أصحابها من أجل الإنكار عليهم تحتاج إلى ثقافة واسعة ودراية وخبرة ودربة بالحوار الهادئ والتعاطي الفكري المرن.
إن من يعرف معالي الشيخ ويتابع خطواته العملية ويزور الرئاسة في مقرها الجديد يدرك كم هي التطلعات والطموحات التي يحملها بين حناياه، ولا يملك الإنسان المنصف الذي لديه غيرة وحمية دينية ووطنية إلا أن يعلن نفسه ضمن منظومة الداعمين والداعين لهذا الرجل والفريق الذي يعمل معه، وفي المقابل من يقرأ ما يكتب في صحافتنا المحلية عن بعض التصرفات الفردية التي وللأسف الشديد تضخم وتعمم من قبل عدد من الكتاب قد يصاب باليأس من الإصلاح الذي ينشده ولي الأمر ونتطلع إليه جميعا ويعمل الجهاز المركزي ليل نهار من أجل تحققه والوصول إليه.
إن الإنكار في عالم الأفكار هو في حقيقته انتقال بهذا الجهاز من الاكتفاء بالتعامل مع السلوك الظاهر الذي يلحظه الكل ويراه الجميع إلى ما يحمله الإنسان في عقله من توجهات ومسلمات سواء عقدية أو فكرية أو سياسية أو دعوية أو ما إلى ذلك، وطبعا هو عمل مبارك وجهد مثمن ومشكور، فاستقامة سلوك الفرد وانتظام استقرار الأمة وتطورها، يعتمد في الأساس - كما يقول صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبد العزيز رجل الأمن الأول في المملكة - على سلامة الفكر وعقلانية الاتجاه «لذلك كان الانحراف الفكري من أهم المشكلات الفكرية والأمنية التي تعاني منها أمتنا عبر تاريخها الطويل وفي واقعها المعاصر، فخوارج اليوم هم امتداد لخوارج الأمس الذين قال عنهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: سيخرج قوم في آخر الزمان أحداث الأسنان.. سفهاء الأحلام.. أي أنهم جمعوا مع حداثة السن.. سفاهة العقل وضحالة التفكير.. وهو ما يؤكده فعل بعض من انحرف عن الجادة من أفراد مجتمعاتنا المسلمة والعربية.. وخرجوا على إجماع أمتهم وولاة أمرهم.. وكفروا المجتمعات المسلمة حكاما ومحكومين.. واستحلوا الدماء والأموال المعصومة.. وفتحوا جبهات على الأمة المسلمة تضعف قدراتها وتعين أعداءها عليها... والمسؤولية الأمنية وإن كانت واجبا ملزما لأجهزة الأمن فإن نجاحها مسؤولية مشتركة على الجميع، فالكل مستفيد من استتباب الأمن والكل أيضا متضرر بغيابه أو ضعفه - لا سمح الله -» ومشاركة الهيئة في القيام بهذا الدور في دنيا الناس يحتاج من أعضاء الهيئة أن تكون لديهم:
* المعرفة الواسعة والإحاطة الشاملة بالمنكر الذي يراد وئده المتمثل هنا بالفكر الضال الذي يلبس لباس التدين ويتستر بستار الإسلام وهو منه براء.
سلوك السبيل الأمثل للإنكار وذلك حتى لا يجر المنكر منكراً أشد منه ولا يدفع مرتكبه إلا التعنت والممانعة، ومن هذا عدم إشعاره بالأستاذية والفوقية أو رميه بالجهل والعناد.
ضبط النفس حين الإنكار والتذكر بأن المحتسب في مقامه هذا لا يمثل نفسه فقط بل هو ينتظم ضمن منظومة متكاملة يرشدها ويهديها الدليل الشرعي ويرقبها ويرصد تصرفاتها العالم والناس.
والحديث هنا ليس خاصاً برجل الحسبة بل هو خطاب لنا جميعاً وربما يهم الوالدين قبل غيرهما ثم المعلم والخطيب والإعلام... إذ إن من المصلحة أن يكون هناك حكمة حين الإنكار والدعاء للهيئات وللقائمين عليها بالتوفيق والسداد وإلى لقاء والسلام.