خلق الله الإنسان مزوداً بدوافع يتوجه بها نحو الحياة، ونحو الإنسان الآخر، وهي وجود من وجوده متى ما تأملها الإنسان أدرك حسن ما خلق الله كأداة لتفعيل وجود الإنسان وحياته،...
... وبقدر ما فيها من طاقة خير توجه الإنسان فهي لا تخلو من دوافع الشر الذي يجسده واحد من أنواعه. إن هذه الدوافع تنطلق بها غرائز الإنسان في أمشاج من العلاقات الإنسانية والوجودية في الوقت نفسه وبالكثير من الفعاليات الإيجابية والسلبية التي تعتبر مؤشرات للخطأ والصواب في حياة الإنسان، تلك الدوافع أو الغرائز تنوعت في أثرها ونتائجها، منها ما هو أساس للحياة، وعبء على الإنسان.
جميع هذه الغرائز توجب فهماً من الإنسان يستوعب معه وظائف هذه الغرائز، والحرص على انضباط حركتها حتى يصونها من الانحراف، وتوريط هذا الإنسان في متاهات هذا الانحراف، ولمزيد من الوضوح فإن الغريزة الجنسية مسؤولة عن التكاثر وحفظ النوع، وفي الوقت نفسه فإن انحرافها ما لم تردعه إرادة الإنسان قد يقود الإنسان إلى فوضى الممارسة.
وغرائز الإنسان بدون ضوابط ومراقبة قد تقوده إلى أن يكون بعيداً عن الهدف المنسجم مع أسباب خلقه ومع وظائف تلك الغرائز، وهنا لا بد من إدراك أن الرواسب وما هو على الهامش في التكوين المتمثل في الحقد والحسد والغيرة تدفع الإنسان إلى الانزلاق في براثن شرور النفس التي تؤذي الغير، كما تؤذي الإنسان نفسه فيتخبط في آلامه النفسية وتؤرقه فتؤثر سلباً على صحته النفسية، فالحاسد هو من يعاني وليس المحسود، والحسد مثلاً لا يغير شيئاً من واقع المحسود فيرتد ألماً وحسرة على الإنسان.
والإنسان بالقدر الذي يستطيعه من تهذيب الناتج من العلاقات المتداخلة سيجد فيها ما يساعد المنهاج حين يتشكل، وكلما استمر الإنسان في الرقابة كلما استقام به المنهاج، وتوارت أسباب الخطأ أو الانحراف ولكن بدون تفعيل للإرادة قد يواجه أخطاءه مرة أخرى، فمن هو من هذا النوع أو في مصافه مسؤول عن الانضباط وقهر الرغبة التي تحد منها الرهبة.
إن الإنسان لم يخلق ليمارس الحياة في جانب من جوانبها، ولكن فيها ككل، الأمر الذي يحمله مسؤولية الانتباه إلى نفسه وما تدعوه إليه، فالوقوع في الخطأ والخطيئة سهل حدوثه بدون الرقابة والعناية بالنفس، وتوجيهها فيما تريد حتى لا تأخذ الرغبة الإنسان إلى الخطأ فيندم حيث لا ينفع الندم، ولا تسعفه عجلة التصحيح فيزيد ألمه ألماً، حيث إن معاناة الإنسان أسبابها التراكم لتوافه الأمور التي غالباً ما تبدو صغيرة ولكن بتراكمها يهتز الوجدان، والله الموفق.