حضر الملتقى الثاني لمركز السيدة خديجة بنت خويلد أكثر من ألفي مهتم ومهتمة من مثقفي المجتمع بموضوع مشاركة المرأة في التنمية الوطنية. وكان جميلاً ومثيراً للتفاؤل بالمستقبل أن نرى هذا الجمع الجاد يواصل الحضور والمتابعة من الساعة العاشرة صباحا حتى ما بعد الخامسة مساء. فالموضوع: «مشاركة المرأة السعودية في التنمية الوطنية» بكل تفاصيله مصيري حقا.
تناولت ورقتي المكثفة عن التخطيط الإستراتيجي لمشاركة المرأة:
التخطيط الإستراتيجي: يعني أن هناك رؤية منطقية لأهداف محددة يتم تحقيقها باختيار خطة مدروسة وتنفيذ خطواتها ومتابعة نجاحها بدءا من تحديد المطلوب إلى تحديد المسؤوليات وتعيين مسؤولي التنفيذ إلى مراجعة نتائجها. والتنمية الوطنية هي التنمية الشاملة للوطن كله كوحدة متكاملة.
التخطيط الإستراتيجي للتنمية الوطنية إذن هو وضع تفاصيل مشروع أو مشاريع مترابطة ستنفذ لاحقا لتطوير أوضاع الوطن الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ووضعها في إطار أفعال لا بد من القيام بها في تسلسل جدول منطقي، بحيث تكون النتائج المحققة في مرحلة أولى جزءا من مدخلات المرحلة الثانية. وهذا يتضمن أن مؤسسات رسمية عامة وخاصة يطالها دور المشاركة في تحقيق الخطة العامة وتنفيذ جوانب منها، ولذلك فالتنسيق بينها مطلوب على المدى القصير والبعيد وفي كل المراحل. أي أن التنفيذ لا يتم بصورة عشوائية أو فردية التركيز بل يعتمد على تحديد ودراسة كل المدخلات التي تؤثر على تحقيق أهداف الخطة دعما أو تثبيطا، واختيار الإستراتيجية الأفضل لتفعيل المدخلات ومتابعة الناتج للتأكد أن ما يحدث هو المطلوب فعلا، أو تصحيح المسار بإحداث تعديلات إذا جاء الناتج النهائي غير ما هو متوقع في الخطة.
أحيانا لابد من إعادة المسار إلى الوجهة الصحيحة.
وأحيانا لابد من إعادة تحديد الهدف ليظل مناسبا لمتغيرات المحيط والزمن.
قبل عقود ليست بعيدة، حين وقف صانع القرار مع تطوير المجتمع بجدية حازمة حكيمة وقرر نشر التعليم العام دون استثناء للفتيات نجحنا في تعويد المجتمع على تقبل تعليم المرأة؛ وكانت الإستراتيجية هي فتح المدارس بالفعل وجعل التعليم متاحا لمن يشاء وحمايتهم من المعارضين. ومن لا يشاء لن يجبره أحد على تعليم أولاده أو بناته. وكانت النتيجة أن من تلكأ في تعليم بناته اقتنع بعد أن رأى النتائج الإيجابية لتعليم الآخرين بناتهم بأن تعليم المرأة أمر مفضل. سرعان ما أصبح تعليم البنات هو السائد المجتمعي.
أما الآن فنحن نقف أمام منعطف مصيري آخر يفرضه مرة أخرى حراك الزمن من حولنا: لقد نجحنا في تعليم النشء بما في ذلك الفتيات لأعلى المستويات ثم توقفنا عند النقطة المفصلية: لماذا تتعثر مشاريعنا التنموية؟ وبعد التعليم ما هو دور المواطن والمواطنة في تحقيق الفعالية المنتجة والتنمية الشاملة؟
ومرة أخرى يتعلق الأمر بقرار حاسم من أعلى يوجه وجهة المجتمع.
والحمد لله أننا لا نفتقد الرؤية الصائبة لدى صانع القرار ولا نفتقد الرغبة في تفعيل المواطن أو المواطنة وتحقيق سعودة اليد العاملة.
ما نفتقده هو إجابة السؤال كيف نفعل ذلك؟ خاصة وأن هناك حاجة لإقناع البعض بإيجابية القرار مثلما كان الوضع في قرار تعليم البنات. وهنا يصبح للمرأة وضع خاص ربطناه بخصوصية مجتمعية مفترضة، لا تختلف في هشاشتها وبعدها عن الصواب، عن افتراض أن وظيفة مرضية مجزية هي حق المواطن حتى لو لم يكن مؤهلا بالمهارة المطلوبة؛ أو أن الأنوثة تلغي حق المواطنة في تولي المشاركة حتى لو كانت أكفأ للموقع.