في أحد أيام عيد الأضحى المبارك أعاده الله علينا وعليكم باليمن والمسرات - أدرت مفتاح جهاز التلفزيون فأخذت الريموت كنترول وصرت أقلّب في القنوات الفضائية وما أكثرها اليوم لعلي أجد مادة علمية أدغدغ بها طبقات مخي، أو مادة مسلية ينبثق منها ظهور بسمة على محياي أقضي بها هم ذلك اليوم فتوقف الريموت كنترول على قناة فضائية تبث من بلد عربي منكوب ذاق أهله كل الويلات والحسرات، فشاهدت في هذه القناة أن المذيع يحاور أسرة منكوبة فقدت شخصاً عزيزاً ألا وهو قيم هذه الأسرة أو بمعنى أصح والد هذه الأسرة المنكوبة مخلفاً وراءه شيوخاً أثقلتهم نوائب الدهر وصروفه، وأبناء صغاراً لم يشبوا بعد عن الطوق.. فراح المذيع يسألهم عن أحوالهم، وأتى على حالتهم الاقتصادية فكانت حدث ولا حرج من الفاقة والحاجة، فذرفت دموعهم الغزيرة ولا أخفيكم سراً أن الأريكة التي كنت استند عليها بللتها دموعي الغزار وأنا أشاهد عن كثب ما حل في هذا البلد العربي العزيز.. ونحن في طول بلادنا الإسلامية وعرضها كثيرة المآسي التي نجترها وكل هذا بسبب أطماع شخصية وأفكار متحذلقة ضحيتها هؤلاء الأرامل والأطفال والشيوخ فما أشد مآسينا والحالة هذه! إلى متى نرجع إلى رشدنا فنتعلم أن الحياة ليست كراسي سلطة ولا أمجاد تشيد على أنقاض الضعفاء.
إني حينما ألقي نظرة فاحصة فإني أجد أنه يوجد هناك هوة شاسعة لا يمكن ردمها بيننا وبين العالم الغربي تلك الدول التي عرفت بعد تجربة مريرة أن التصارع على كراسي المناصب ليس من أدبيات حياة واعرة ولا من مسلمات حياة يكون بها منحنى السعادة صاعد وما أحرانا اليوم أن نحذوا حذوهم وأن نسلك دروبهم ويؤسفني أن استشهد بهؤلاء القوم وحالتهم، وديننا الحنيف، بل جميع الأديان السماوية قاطبة دلت البشرية على ما فيه خيرها ورشدها في هذا الصدد.. فالأديان دون استثناء علمتنا متى نكون معاول بناء ولبنات خير تشيد للأمم أمجاد تدلف بها الأمم إلى اردهات النور.. فما أحرانا أن نترجل عن صهوة حب الرئاسة وأن نتعلم أن القيمة الحقيقية للبشر تكمن في إيجاد سلم حضاري درجاته السمو إلى المعالي وصناعة الخير ودفع الشر عن بني الإنسانية إن قيمة البشر لا تنبثق من مطامع الدنيا الفانية، بل تنبثق من حب الفضيلة ووسائلها.
إنني في هذه الخاطرة المتواضعة شكلاً ومضموناً أرى أنه قفز إلى ذهني شيء مهم قد أنسى كل شيء في حياتي ولن أنساه ما حييت وهو ذلك الموقف النبيل من رجل نبيل لما ساقت أقدار الله تعالى له قيادة حكم هذه البلاد نراه أنه لم ينس أن حطام الدنيا بروق خُلب وأن كل شيء ذاهب إلى زوال ولن تبقى إلا المثل ومعالي الأمور وهذا الموقف الذي لن أنساه هو أنه لما قُدم ذات يوم لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -حفظه الله ورعاه- أبناء شهداء الواجب ليسلموا عليه ذرفت دموعه الغزار شفقة عليهم مستشعراً المسؤولية تجاههم.. إن موقفاً كهذا يعز اليوم وجوده إلا من أمثال هؤلاء الرجال وما أقلهم اليوم.. فنحن شعب المملكة العربية السعودية نفاخر اليوم بمليكنا من جراء مواقفه النبيلة.. ولمولاي وسيدي مواقف لا تقل أهمية عن هذا الموقف، فحينما يمثل يوماً ما شخصاً كبيراً أمامه نرى أن مولاي وسيدي يذهب ليصلح من غترته وعقاله ناسياً بذلك أبهة السلطة ورموزها.. فما أجمل تواضعك وما أنبل خلقك، فالرجال مواقف ومع ذلك كله فإن سيدي ومولاي يضرب بيد من حديد كل من سولت له نفسه الأمارة بالسوء، فكل من أراد أن يجدف بسفينتنا تجديفاً يخالف نواميس السلامة فإنه يأطره على الحق أطراً، ومن راح يهرطق في دينه فإنه -حفظه الله- يرده إلى رشده. ومع ما يقوم به من جهود لصالح شعبه فإنه لم ينس إخوانه أبناء شعوب العالم العربي والإسلامي فكم نار فتنة أضرمت أطفاها وكم من جيش تعسكر فرقه، ولله در ذلك الشاعر العربي الذي يقول:
وما الفخر في جمع الجيوش وإنما
فخر الفتى تفريق جمع العساكر
وأخيراً أرجو من الله العلي القدير أن يلبس خادم الحرمين الشريفين لباس الصحة والعافية وأن يكلأه بحفظه وأن يمن عليه بالشفاء العاجل والدعاء موصول إلى ولي العهد الأمين صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز أن يحفظه لنا ذخراً وهو يتمتع بموفور الصحة والسلامة ولن أنسى دعائي الخالص لسمو النائب الثاني الأمير نايف بن عبدالعزيز حفظه الله ورعاه من كل سوء.
القصيم