عنيزة - خالد البدراني
رغم أن مجتمعنا يمتلك أضخم المرافق الصحية، إلا أنه لا يزال للطب الشعبي سوق مزدهرة السواد الأعظم فيها النساء، ورغم وجود جمعيات متخصصة ودور اجتماعية متطورة تقدم أعمالاً منظمة لدراسة ومعالجة المشاكل الاجتماعية والأسرية إلا أن المرأة لدينا مع الأسف لا تثق إلا بامرأة أخرى تفشي لها سرها، وفي عصر التطور والاتصال المفتوح اجتاحت خصوصية الأسرة والمجتمع الذي يشتهر بالمحافظة ظاهرة المنتديات النسائية وإقبال النساء عليها بترويج للوهم من خلالها وبيع للخرافة فيها، اجتمع فيها شمل المتناقضات التي أصبحت هي الحكم بضغطة زر إلكتروني.
تصاميم وردية جاذبة
يجهل النساء أن المنتديات النسائية هي مواقع تجارية بحتة بعيدة كل البعد عن العمل الاجتماعي المنظم والمدروس تقوم على قيمة الإعلانات فيها بكافة أرجاء الموقع على صفحته الرئيسية والأقسام الفرعية وتقتصر الإعلانات على استهلاك المرأة التي تعشقه من وكلاء لأدوات التجميل وشركات بيع أدوية الحمية وإنقاص الوزن وترويج المستحضرات الرومانسية الوهمية وغيرها التي تمنعها الجهات الرقابية.
القسم عند الانتساب
من المضحك أن مؤسسي وملاك وعضوات هذه المنتديات النسائية يعتقدون أن كافة المعرفات المسجلة لديهم نساء 100% من خلال قَسَم يجب تلاوته في صفحة مستقلة عند الرغبة في الانتساب نصه الآتي: (عزيزي العضو قل أقسم بالله العظيم أنني أنثى ولست رجلا) يأتي بعد ذلك حكم الحلف كذباً مع فقرات عاطفية مفادها هل تقبل أن ينتسب رجلاً في موقع تكون فيه أختك أو زوجتك أو أمك؟ وغاب عن إدراك أولئك المستثمرين والعضوات أن من يبحث عن العلاقات لا يعنيه القَسَم علماً أن الهدف من هذه الفقرة طمأنة أكثر للنساء أثناء التسجيل في الإقدام على الانتساب وأن جميع من في الموقع أخوات لهن ونساء مثلهن بدليل أن المعرفات أنثوية بحتة!!
أسرارك المنزلية بضغطة زر
من أهم الأقسام في المنتديات النسائية هو قسم له العديد من المسميات الجاذبة تختلف من موقع لآخر لجذب أكبر قدر ممكن من الهاربات بالمشاكل الأسرية أو التي تعيش فراغا أكثر منتصف النهار تفضي من خلاله المرأة أسرار بيتها وما يدور بينها وزوجها يحفزها على ذلك ردة فعل العضوات من خلال ردود متعاطفة على مواضيع سبق طرحها ومن باب أنها تحت معرّف وهمي لن يتم معرفتها من خلاله.. فزوجة تشتكي رفض زوجها الخروج بنزهة أو السوق أو أن هناك وعدا مسبقا في عشاء خارج المنزل أخل فيه الزوج وتسرد ذلك في ألم وحزن عظيم ليأتي التعاطف بالردود مشفوعاً بوصفاتٍ سحرية لثني الزوج عن رأيه أو مقترحات لتلقينه درساً لعدم تكرار ذلك مستقبلا.
تسويق الوهم وترويج الخرافة
خصصت المنتديات النسائية معرّفات وألقاب لبعض المنتسبات اللاتي تخصصن في تسويق بضائع يتوهمن النساء أنها لا توجد في الأسواق أبداً ولا يمكن الحصول عليها إلا من العضوات البائعات في المنتديات النسائية فقط بينما هي بضاعة تمنعها في الغالب الجهات الرقابية وهو تسوق رقمي لا تختلف بضاعته عن الحاجيات التي في الأسواق الشعبية كشراء ملابس نسائية عجيبة أو مستحضرات شعبية أو خلطات علاجية لتبييض البشرة والمناطق الحساسة أو الركبتين أو الإخصاب أو علاج العقم أو مثيرات جنسية أو علاج تساقط الشعر وتنعيمه والحلول المناسبة لإنقاص الوزن أو تكبير للأرداف والصدر بأسلوب ترغيب وتسويق تجاري بحت.
العنوسة والأرامل والخيانات
خصص في هذه المنتديات أيضاً أقسام تضرب على وتر العاطفة النسائية قسم يعني بالعنوسة ولدى المنتدى العديد من الخطَّابات الثقات (المعروفات لإدارة المنتدى) زوجن العديد من العضوات عن طريق المنتدى مع خلق معرفات وهمية تذكر كيف تزوجت عانس وهي في سن الأربعين من بركات خطابة المنتدى الشهيرة أم فلان التي لا تريد إلا الثواب مع بعض الإكراميات وكذلك إفراد مواضيع تحمل عنوان (تجمعات سن الأربعين أو الثلاثين) يسردن معاناة الوحدة وحلم بالزواج ليخفف بعضهن على بعض من خلال ذكر مصيبة لدى الأخرى تهوّن على زميلاتها أو النصح بالمداومة على دعاء معين للزواج بدليل أن هناك من داومت عليه وتزوجت بعد شهر أو شهرين ويحتوي هذا القسم أيضاً قسماً فرعياً لحل مشكلة زوجة تتوهم أو تعاني خيانة زوجها ولديها شكوك بأن زوجها على علاقة مع أخرى وزوجها يخفي عنها زواجه بأخرى وكيف يمكن معرفة ذلك حتى يصل الأمر أن تعيش وهما أن زوجها على علاقة ومتزوج وهناك من تذكر خيانة زوجها وكيف كان موقفها.
تفسير الأحلام إلكترونياً
كما لم يفت القائمين على هذه المواقع أهم الأمور التي تغشى المرأة وتعشقها وهي تفسير الأحلام وتطرح العضوة حلم البارحة في قسم تفسير الرؤى والأحلام الذي يشرف عليه المفسر الشهير فلان بن فلان أو يرسل الحلم إليه لتفسيره ثم تضع الإدارة التفسير حتى أصبحت كافة الأحلام مفسرة حتى وإن كانت بعد نوم لم يتجاوز خمس دقائق.
تحايل وهروب وأوهام
المعرفات المنتسبة لهذه المنتديات متعددة بدليل صعوبة الحصول على معرف أنثوي فهناك معرفات رومانسية ومعرفات تدل على الألم ومعرفات للغيظ وإثارة الأخريات من خلال اختيار معرفات توحي أن صاحبة المعرف ملكة بلا مملكة وأنها سندرلا مع زوجها وأنها ملكته وفاتنته إلى آخره وفي بعض الأقسام تخجل بعض المنتسبات من سرد معاناتها بمعرفها الذي تشتهر فيه من قبل زميلاتها وقريباتها فتستخدم معرفاً خاصاً لطرح قضية شخصية حساسة في القسم المخصص.
بيتك من زجاج
المنتديات النسائية جعلت غالب البيوت من زجاج الكل يرى ما بداخله من خلال ذكر كافة التفاصيل التي تحصل فيه ففي قسم الطبخ نادراً ما يكون التشاور وتبادل التجارب بالسؤال عن مقادير معينة بل أصبح ميدان سباق في التباهي من خلال طرح صورة وجبة أُعدت للزوج أو لمناسبة يتضح من خلال صورها المرفقة نوع المنزل ونوعية الأواني التي هي الهدف الأساسي من خلال هذه المشاركة ومراحل إعداد الوجبة في المطبخ مروراً في تزيينها وصولاً إلى تقديمها في غرفة الطعام ليمكن التعرف على المنزل من خلال الصور ومعرفة صاحبة المعرف في حال معرفة ما تم كشفه من خلال الصور المطروحة في منتدى عام ومفتوح لينحرف مسار الموضوع من معرفة مقادير الوجبة إلى السؤال عن الأواني والأثاث الذي يتضح في الصور.
الطامة الكبرى
فضلنا أن تكون هذه الفقرة الأخيرة لحساسيتها وأهميتها وهذه الفقرة تتكلم عن قسم مستقل في المنتديات النسائية يتم من خلاله طرح شئون الحياة الزوجية الخاصة جداً في العلاقة بين الزوجين من قبل الزوجة وذلك بطرح التجارب الناجحة بين الزوجين بحجة الاستفادة منها وتطبيقها من قبل الأخريات أو الإضافة عليها لمن سبق وأن جربت مثل هذه التجربة وقسم آخر تخصص للمشاكل في العلاقة الزوجية الخاصة ولمن تبحث عن حل من خلال طرح معاناتها بكل أريحية و(صفاقة) تذكر فيه معاناتها مع زوجها في العلاقة الخاصة وكأن الحل لا يوجد إلا هنا أو بهذه الطريقة متجاوزة الشريك الرئيس في المشكلة - الزوج - متوهمة الحل لدى زميلاتها اللاتي لا يختلفن عنها في الفهم والإدراك.
(الجزيرة) استطاعت أن تثبت أن هذه المنتديات قائمة على الابتزاز بشكل آخر وذلك من خلال تقمص العديد من الأدوار بمعرفات مختلفة طرح من خلالها قضية زوجية وهمية وتسويق منتجات شعبية لا تحمل أي مرجعية وطلبنا في المعرّف تفسير حلم بعد ذلك تم إيضاح أن هذا المعرف لإثبات أنه ليس صحيحاً ما يدور في هذا النوع من المنتديات وأنه برهان وتحذير من الثقة المفرطة في هذه المواقع قوبل ذلك بحرج وقوبل بضحك واستنكار وقوبل بامتعاض، وبعد التعريف عن ذلك وأن هذا مشروع لتقرير صحفي، سألت (الجزيرة) العديد من العضوات عن مدى فائدة هذه المنتديات ومدى المصداقية فيها فأجابت الغالبية أن هذه المنتديات استطاعت الانتشار من خلال إتاحة الفرصة للطرح لأن عموم المنتديات غير المتخصصة تمنع من طرح المشاكل الأسرية أو مجال التسويق لتخصصها بجوانب أخرى ليست اجتماعية فكانت المنتديات النسائية المتنفس واستطاعت أن تصطاد في الماء العكر. بعدها حظرت إدارة المنتدى المعرف الذي استخدم لذلك وهذا دليل قاطع على ما تم التحذير عنه كما أن لهذه المنتديات مخاطر من خلال اطلاع الفتيات المراهقات أو صغيرات السن على قصص ومشاكل تطرح فيه مما يشكل الكثير من الأثر الرجعي أو رسم صورة غير صحيحة عن الحياة الزوجية بدليل أنه لا يمكن الحديث من قبل المتزوجات على مسمع من غير المتزوجات أو صغيرات السن في التجمعات الأسرية المباشرة.
رأي متخصص
وفي سؤال وجهته الجزيرة للدكتور أحمد بن عبد الرحمن القاضي المشرف العام على مركز المشير للاستشارات التعليمية والتربوية وعضو هيئة التدريس بجامعة القصيم عن نتاج المنتديات النسائية وتبعات ذلك أجاب بقوله:
أرى أن المشاكل الأسرية لا يليق أن تعرض في مزاد علني يتناوب الأفراد التعليق عليها بأساليب متنوعة انطلاقا من خلفيات وتجارب سابقة قد تصيب وقد تخطئ، إن هذا الأسلوب في التعاطي مع المشاكل الأسرية يبلبل الزوجة ويجعلها في مهب الريح بين مختلف ردود الأفعال، والصواب أن تطرح القضية على متخصص حكيم كما قال الله تعالى {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} وكل ذكر له أهله. وقد قيل:
وإن باب أمر عليك التوى
فشاور لبيبا ولا تعصه
وأما عرض المشاكل بغرض التفريغ (الفضفضة) أو بغرض البحث عن متعاطفين فمسلك غير صائب أيضا ولا يجدي شيئا بل ربما أفضى إلى تسلل بعض أصحاب الأغراض الدنيئة إلى المرأة استغلالا لحالة الفقر العاطفي وغرر بها.
كما أنه لا يحل لأي من الزوجين التصريح بالعلاقات الحميمة الخاصة بينهما بل إن ذلك من الكبائر لحديث أسماء بنت زيد رضي الله عنها أنها كانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم والرجال والنساء قعود عنده فقال: (لعل رجلا يقول ما فعله بأهله؟ ولعل امرأة تخبر بما فعلت مع زوجها؟ فأرم القوم! فقالت: أي والله يا رسول الله إنهم ليفعلون وإنهن ليفعلن فقال: فلا تفعلوا فإنما مثل ذلك الشيطان لقي شيطانه فغشيها والناس ينظرون) رواه أحمد وصححه الألباني بشواهد.
ويمكن التعامل مع القضايا الخاصة بأسلوب عف كريم دون الإغراق في التفاصيل التي تخدش الحياء وتهدر الفضيلة.
وأضاف د. القاضي: لا أرى مسوغاً لهذه الحركات الاستعراضية وفي الصحيح: (إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت) رواه البخاري، أما الاحتفال بالزواج فهو من التشبه بالكفار في عاداتهم ومعلوم قطعا أنه لم ينشأ إلا من جراء إدمان النظر إلى المسلسلات الغربية وقراءة الروايات التي تعكس واقع مجتمع آخر، وفي الحديث: (من تشبه بقوم فهو منهم) رواه أحمد وغيره وصححه الألباني. ولا ينبغي أن نكون رجع الصدى أو أن نمارس التقليد الأعمى بل يجب أن نحافظ على شخصيتنا المتميزة.
وأما الإعلانات فلا حرج في طرح المفيد منها وتحصيل الكسب المادي من جرائها شأنه شأن أي نشاط تسويقي شرط المصداقية والنفع.
وأما عن الغلو في التعلق بتفسير الأحلام بات ظاهرة تدعو إلى الدراسة لتمييز الصحيح من الخطأ في هذه الممارسة من جهة الإفراد ومن جهة المعبرين ومن جهة الطرائق التي تعرض بها حتى لا نتحول إلى مجتمع مضطرب يؤسس مواقفه على الحلم لا على العلم وقديما قيل:
يعيش المرء ما استحيا بخير
ويبقى العود ما بقي اللحاء
فلا والله ما في العيش خير
ولا الدنيا إذا ذهب الحياء
وعن تخصيص أقسام للعوانس والمطلقات فهذا امتهان لهن وشماتة بهن ينبغي أن تترفع المرأة العاقلة عن الانخراط بها وتغذيتها بالكلام الذي يزيد في معاناتها وتكوين نظرة دونية تجاهها كما أن تداول أرقام الخاطبات يعرضهن للابتزاز وأما تخصيص أدعية معينة لتحصيل الزواج فيحتاج إلى دليل وليس لأحد أن يزعم دعاء معينا يترتب عليه نتيجة معينة بلا بينه وخير من ذلك أن تتواصل الراغبة في إعفاف نفسها مع لجان التوفيق التابعة لبرامج الرعاية الأسرية التي تسعى في ستر وصيانة إلى التوفيق بين الراغبات وفق آلية كريمة تحفظ للمرأة كرامتها.