الوجه الآخر قد يكون أشد نقاءً، وأكثر شذىً، وأجمل أثراً، وأطيب مذاقاً، حين يكون الوجه الآخر أوضح دكناً، وألمس شوائب، وأوقع تأثيرًا، وأمرُّ طعماً.., والقياس على الوجه، والوجه الآخر مواقف تمر بالمرء ما دام يتحرك على الأرض، يتعرض لها، ويتقاطع مع وجودها...
النهر العذب المتدفقة مياهه، الموحي بصفحته الزرقاء وروائه للطفل أن يركض ويضحك، وللكبير أن يتأمل ويزفر رهق العمل والهموم، والآلام، هذا النهر يمكن أن يجف وتتحول معابر جداوله لمستنقعات وطحالب..
الرجل ذو النفوذ والوجاهة من ينظر إليه الجار والمرؤوس والقريب على أنه الباب الذي يطرقونه عند مواقف الحاجة والضعف، يمكن أن يجدوا بابه مغلقاً دونهم، ويده معقوفة لظهره وجبهته مقطبة نحو تجاوزهم..
الوردة بشوكها توخز وتجرح، كما النبتة بخضرتها تكون حنظلاً مراً، كما أن السواد ليس دليلاً مطلقاً على الظلام أو الاتساخ، بل كل عمق في الحقيقة أسود، كما البئر في الجوف بمائه، والعين بين جفنيها منه دائرة،
أوجه أخرى لا تنحصر في الإنسان، وتمتد لأفعاله، ولا تتأطر عليه، بل تتمثّل بمحيطه، نماذج الوجه الآخر تتعدد، وتتلون، وتتفاوت في قيم معانيها، ومنتجات آثارها، يمكن أن تكون محاور تفكر، ومدارات اعتبار، فإن قراءة الوجه الآخر رحلة شاقة لمن لم يؤت المرآة, هذه الحقيقة مطروحة كمعاني الجاحظ على الأرصفة، تحتاج للمرآة..
ورؤية الأوجه الأخرى غالباً ما تنتج الحكمة والعبرة.