قبل ثلاثين عاماً أو تزيد كانت أم نوير تفترش الأرض وتلتحف السماء مع غيرها من النساء اللاتي يتكسبن قوتهن وقوت أسرهن ببيع أطباق البيض البلدي منه والمستورد ولا يقتصر عملها وعملهن على بيع البيض فقط بل يعرضن في مباسطهن المتواضعة بيع الكليجا بأنواعه ومختلف أحجامه والفصفص وكذلك بيع المستلزمات النسائية مثل الحناء والخبط والمشاط وخلافه مما تحAتاجه نسوة ذلك الزمان للتزين والعناية بشعورهن وكذلك البيوز والمهاف والخرائط وهي أكياس صغيرة مصنوعة من القماش المستعمل وبعض المستلزمات الرجالية مثل الطواقي وعند حلول شهر رمضان المبارك وفي مناسبات الأعياد يبعن الشروخ والطعطعان والملبس وحلاو حامض حلو وحب القرع وحب الحبحب والشمام وبذور دوار الشمس.
ولكن القارئ قد يتساءل لماذا عنونت هذه المقالة باسم أم نوير فقد كان اسمها يتردد على ألسنة الكثيرين من رواد سوق المقيبرة في ذلك الزمن حيث كان مبسطها الواقع قبالة سوق اللحوم الواقع وسط المقيبرة وبالقرب من باعة السمن البلدي والإقط وكان الكثيرون من رواد السوق يتقصدون الشراء منها بالذات وتبادل أطراف الحديث معها ويبدو لي والله أعلم أن كيمياءها الشخصية تجذب إليها الزبائن دون غيرها ربما لجرأتها في تبادل أطراف الحديث والطرائف تسويقاً لباضعتها وهذا ذكاء منها ويبدو أنها كانت تستعين بابنتها نوير لتساعدها في تصريف بضاعتها وهكذا اشتهرت بأم نوير وكان سوق المقيبرة يمثل نقطة الوسط والارتكاز لمدينة الرياض في ذلك الوقت لموقعه بالقرب من جامع الإمام تركي الشهير ومقر الإمارة وسوق الزل والهندام والأثريات والتحف التي كانت تجاور مبنى الجوازات سابقاً ثم المحكمة لاحقاً وبالقرب من هذه المنظومة هناك سوق السدرة وفي الجهة الشمالية المقابلة للإمارة محلات التجار الشطار من أبناء عمومتنا أبناء حضرموت الأوفياء والأمينين وممن يتمتعون بجلد ومثابرة وجد في العمل التجاري الشاق فكونوا الثروات من لا شيء حيث كانت متاجرهم تعج بأنواع المعلبات والبسكويتات والحلويات وهي مكان أكلهم وراحتهم عدا النوم ودرس أبنائهم مع أشقائهم السعوديين في المدارس الحكومية حيث لم نعرف بعد المدارس الأهلية ونالوا أعلى الشهادات وأكرمت الدولة وفادتهم وكافأت صبرهم وأمانتهم بإعطائهم الجنسية السعودية وهم من يستحقونها بجدارة فقد رعوا نعمتهم؛ والإخوة من إقليم حضرموت يعضد بعضهم بعضاً حتى يشتد عوده ويقف على قدميه ويشق طريقه في الحياة؛ ولديهم مثل يقول «مهنة أبوك لا يغلبوك»؛ ويوجد داخل سوق السدرة سوق متكامل للذهب والأقمشة والملابس النسائية الجاهزة وملابس الأطفال: وبالقرب من المقيبرة يوجد سوق الجفرة أو ما أطلق عليه يوماً ما البنك الثالث عشر لأن الذين يوجدون فيه هم من كبار السن وبضاعتهم عبارة عن الرز والتمر والقهوة والهيل ويمتهنون المداينة فكل معوز يلجأ إليهم ويتدين منهم المال لقضاء حوائجه وفك ضائقته ليقع في فخهم عندما يعجز عن السداد؛ وهناك حوادث وقصص كثيرة وقعت منها المبكي والمضحك في آن ومنها أن أحد الأوروبيين خاض هذه التجربة ثم فر بالملايين فعضوا أصابع الندم؛ وهناك قيصرية اليوسف وسوق آل وشيقر حيث تستطيع أن تبتاع فيه كل ما تحتاج وكل ما يخطر على بالك تقريباً وبأسعار متواضعة وفي متناول الجميع؛ وبعد فهذه خواطر وذكريات تداعت على الذاكرة في حنين وشوق إلى الماضي وطيبة أهله وبساطتهم.