تُعد التقارير الإحصائية السنوية التي تصدرها الجهات والهيئات الحكومية من الأدوات الرئيسة لرصد أبرز مؤشرات الإنجاز، والقضايا والموضوعات ذات الصِّلة. ويتُّم دعم هذا الرَّصد في الغالب بالأشكال البيانية، والجداول الإحصائية. وتبدو أهمية هذه التقارير في أنَّها تخضع لمناقشات مستفيضة من قبل مجلس الشورى عبر لجانه المختَّصة. باعتبار أنَّ ذلك يدخل في إطار مهامه وأدواره في الرقابة والتشريع، بمقتضى نظامه الصادر في عام 1412هـ، وتحديداً المادة (الخامسة عشرة) والتي جاء فيها (يبدي مجلس الشورى الرأي في السياسات العامة للدولة التي تحال إليه من مجلس الوزراء، وله على وجه الخصوص ما يلي:
1 - مناقشة الخطة العامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وإبداء الرأي نحوها.
2 - دراسة الأنظمة واللوائح والمعاهدات والاتفاقيات الدولية والامتيازات، واقتراح ما يراه بشأنها.
3 - تفسير الأنظمة.
4 - مناقشة التقارير السنوية التي تقدمها الوزارات، والأجهزة الحكومية الأخرى، واقتراح ما يراه حيالها).
ويترتب على مناقشات مجلس الشورى مقترحات وتوصيات للتطوير، ومعالجة القضايا والمشكلات إنْ وجدت. ومن ثمَّ تحرص الجهات والهيئات الحكومية على العناية بإعداد تقاريرها وفق أفضل محتوى، واستيفاء العناصر المطلوبة، بما يتفق مع تلك الواردة في الدليل الإرشادي لإعداد تقارير الأجهزة الحكومية، وهو من إصدارات معهد الإدارة العامة.
ومن الجهات الحكومية الفاعلة التي تُعنى بإعداد تقاريرها الإحصائية السنوية: هيئة الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر. إذ تبذل جهوداً حثيثة في كل عامٍ بهدف إخراج التقرير بصورة وصيغة فنية وموضوعية مناسبة، بما يترجم في واقع الحال أهمية الأدوار المنوطة بهذا الجهاز المجتمعي المهم.
في تقرير الهيئة الإحصائي الأخير، وفي نسخته لعام 1430-1431هـ إضافات نوعية، من حيث المحتوى والتصميم، يعكس الحراك والتَّطور الكبير، الذي يشهده هذا الجهاز، والذي يتزامن مع البدء في تطبيق الخطة التنفيذية المرحلية الخمسية «1430-1434هـ» بما تشتمل عليه من برامج ومشاريع ومبادرات وفق أولويات محددة، وجداول زمنية. والمنبثقة عن الخطة الإستراتيجية الشاملة للرئاسة « حِسْبة « والتي تغطي فترة زمنية طويلة الأجل، قدرها عشرون عاماً «1430-1450هـ».
فمن جهة التصميم: تميز التقرير من حيث الشكل الداخلي والخارجي بالتناسق الجميل في الخطوط والألوان والخلفيات، متمازجاً مع الهوية والشعار الجديد الذي يواكب مهام التحديث والتطوير.
وأمَّا من جهة المحتوى: فإضافة إلى أقسامه التقليدية ذات الصِّلة بإحصائيات الوضع الراهن، والأمر بالمعروف، والنَّهي عن المنكر، اعتنى التقرير بقضايا تنمية الموارد، وبناء وتوسيع الشراكة المجتمعية، وبما يحاكي المشروع التنموي لهذا الجهاز، لبناء قاعدة صُلْبة في مجال ميكنة العمل، وتوظيف الموارد، وتحقيق معايير الكفاءة والجودة في الأداء وأساليب العمل.
هذه الإضافات النوعية تعكس الرغبة والإرادة معاً في تطوير وتحسين الأداء والإنتاجية، ونوعية المخرجات.
ولا بأس، وفي عُجالة، أن أعرض على أنظار القارئ الكريم أبرز ما احتواه التقرير بما يخص مؤشرات: تنمية الموارد والشراكة المجتمعية:
أولاً: تنمية الموارد: أورد التقرير إحصائيات كمية عن إنجازات الرئاسة في عدة مجالات، منها:
- مجال تنمية القوى العاملة: فقد تمَّ تدريب «1804» موظفين. وقد كان للعاملين في الميدان النصيب الأكبر من برامج التدريب الشرعية، والإدارية. وقد بلغ عددهم «1325» بنسبة (73%) من إجمالي أعداد المتدربين. وإلى جانب ذلك تمَّ تدريب «479» موظفاً إدارياً في برامج إدارية، بنسبة « 27% « من إجمالي أعداد المتدربين. هذا من جهة. ومن جهة أخرى أتيحت الفرصة لنحو « 20 « موظفاً لدراسة الماجستير في جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، « تخصص عدالة اجتماعية «. كما أتيحت الفرصة كذلك لنحو (14) موظفاً لدراسة البكالوريوس عن طريق الانتساب «الجمع بين العمل والدراسة». علماً أنَّ هناك اتجاها عاما في الهيئة لتعزيز برامج الإيفاد والابتعاث، بهدف إكساب منسوبيها المزيد من المعارف والمهارات.
- مجال تقنية المعلومات: حققت الهيئة مركزاً متقدماً ضمن أفضل عشرين جهة حكومية في معايير التقدم في تطبيق التعاملات الإلكترونية، وفي منظور بنيتها التقنية، بما يؤهلها للانتقال للمرحلة الثانية من مراحل تطبيق التعاملات الإلكترونية الحكومية. في إطارٍ آخر أشار التقرير إلى العديد من الإنجازات في مجال بناء مركز الحاسب الآلي، واستكمال شبكاته، وخطوط الربط الشبكي بين مقر الهيئة الرئيس والفروع. إضافة إلى استكمال البناء والتطبيق الكامل للأنظمة الإدارية والمالية، وإطلاق التدريب الإلكتروني، والبوابة الإلكترونية للهيئة على الإنترنت «www.pv.gov.sa» ومجموعة أخرى مهمة من الخدمات الإلكترونية الداخلية والخارجية.
- مجال المشروعات الإنشائية: تمَّ الانتهاء من إنشاء مبنيين. وجاري العمل على تنفيذ «11» مبنى للفروع والهيئات. إضافة إلى «6» مشاريع جديدة. وذلك في إطار برنامج الهيئة لإنشاء المزيد من المباني للتقليل النسبي من المباني المستأجرة، والتي تُشِّكل الجانب الأكبر من مباني الهيئة.
- مجال البحوث والدراسات: تمَّ الانتهاء من «4» دراسات متخصصة، بالتعاقد مع عددٍ من الجامعات السعودية. وتدور حول المشكلات الميدانية، وتطوير العمل الميداني. وهناك دراسات أخرى تحت التنفيذ. ويجري العمل على إصدار مجلة علمية تُعنى بتأصيل فقه وثقافة الحِسْبة.
- مجال الإعلام: أورد التقرير قرار إنشاء مركز إعلامي، وبدء الدراسات الاستشارية والفنية اللازمة لتنفيذ هذا المشروع الإعلامي المهم. وهذا المشروع في تقديري مبادرة جدُ مهمة، خاصَّة في مرحلة التحولات الديموغرافية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، للدولة والمجتمع السعودي، ووضعية الانفتاح الراهن على الثقافات الأخرى، والتأثيرات الراهنة والمحتملة لهذا التمازج والتنوع الحضاري والثقافي، وانعكاس ذلك كله على طبيعة الحراك الاجتماعي والثقافي داخل المجتمع السعودي. وبما يتطلب بالتالي العناية بصناعة إعلامية قادرة على تعزيز رسالة الحِسْبة، وقيمتها السامية، من جهة. وتعزيز عناصر وأدوات التعاون والشراكة مع القنوات أو المنابر الإعلامية الجماهيرية من جهة أخرى.
ثانياً: بناء الشراكة المجمعية: من أبرز الإنجازات التي أوردها التقرير في هذا المجال المهم:
- عقد «7» مذكرات للتعاون مع «7» جامعات سعودية.
- تأسيس وإطلاق العديد من كراسي البحث في عددٍ من الجامعات السعودية، وهي تحديداً: كرسي الملك عبد الله بن عبد العزيز للحِسْبة وتطبيقاتها المعاصرة بجامعة الملك سعود. وكرسي الأمير نايف بن عبد العزيز لدراسات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالجامعة الإسلامية. وكرسي الأمير سلطان بن عبد العزيز لأبحاث الشباب وقضايا الحِسْبة بجامعة الملك عبد العزيز.
وما ورد في التقرير حول مذكرات التعاون وكراسي البحث العلمية، يغطي فترة إعداد التقرير «1430 - 1431هـ». ولكن - وإن كنت سأخرج قليلاً عن قراءتي لمحتوى التقرير - فإنَّ الحراك المُطّرِد، وبآليات غير مسبوقة، الذي يشهده جهاز الهيئة، قد أضاف المزيد من الإنجازات في هذا المجال المهم. فقد بلغ إجمالي عدد مذكرات التعاون والتفاهم «18» مذكرة منها «15» مذكرة مع «15» جامعة سعودية. و «3» مذكرات مع مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني، وهيئة حقوق الإنسان، والهيئة العامة للسياحة والآثار. كما تمَّ إطلاق كرسي الأمير سلمان بن عبد العزيز لإعداد المحتسب بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وكرسي أبحاث المرأة وقضايا الحسبة بجامعة حائل.
ولا شكَّ أنَّ هذه المؤشرات الإيجابية تجاه بناء وتعزيز الشراكات، والتفاهمات، والاتفاقيات مع الجامعات، والمراكز البحثية، وبيوت الخبرة، والقطاعات الحكومية والأهلية، سوف تسهم بالتأكيد في تطوير بنية الجهاز، وتوظيف موارده، وتحسين أساليب الأداء، وتبادل الخبرات، وتعزيز المكتسبات المعرفية، وتنسيق الخطط والبرامج والفعاليات ذات الاهتمام المشترك.كما يمكن اعتبارها من زاوية أخرى اقتراباً أكثر، وانفتاحاً أوسع، على شرائح المجتمع بكل تنوعها الفكري والثقافي، وبما يساعد على إيجاد المزيد من دوائر التقاطع والاتفاق، والوصول إلى قواسم مشتركة حيال القضايا والمشكلات الخلافية والملتبسة والعالقة.
الكلمة الأخيرة: التقرير الإحصائي لهيئة الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر، في أحدث نسخه، إشارة، وإضاءة، لمستقبلٍ أكثر إشراقاً يتيح للهيئة فضاءات أوسع للعمل، ويهيئ الأجواء لأداء رسالة الحِسْبة، التي يؤمن الجميع بضرورتها لبناء مجتمعٍ وحياة أفضل.