بين هذا المكان وذلك المكان تفصلهما مسافة... وتقاس هذه المسافة بالكيلومترات أو بالأميال... وبين نقطة وأخرى مسافة تقاس بدءا من السنتيمترات وصولا إلى ما هو أكثر من الميل إن كانت هناك مقاييس كأن يقال بين فلان وفلان ما بين الثرى والثريا... والمسافة فيما نعرف مقياسا للبعد أو القرب... وحتى في دهاليز السياسة حظيت المسافة بالحضور والتألق في معترك الدبلوماسية ووضعت ضمن مصطلحاتها وتعبيراتها كأن يقال نحن نقف على مسافة واحدة من كافة الأطراف وهي تعني فيما تعني أن الكل يحظون بنفس الاهتمام وأننا لا نؤيد طرفا على حساب أطراف وهذا على الأقل إعلاميا أما في الخفاء وفي الدهاليز تنتفي المسافة وتختصر إلى أقل من المليمترات.
المسافة بين البشر تعبير أو مصطلح فتجد من يقول إن فلان قريب من النفس... من الروح.. فيما علان من هؤلاء الناس أقصته سلوكياته وربما أخلاقياته وربما وربما... إلى مكان قصي.. منزوٍ لا يسكنه إلا من هم على شاكلته.
وفي إجراءاتنا الإدارية وروتيننا المسافة لها حضورها أيضا وإن كنا نطمح في اختصار المسافات وطي صفحاتها وسجلاتها... كنا نؤمل أن تكون التقنيات الاتصالية والثورة المعلوماتية معززة ومحققة لهذا الطموح ورافدة لكل سعي لترجمة هذه الطموحات وإن جاءت بطيئة كثمرة من ثمار الذين يمرضهم التطوير بل ويترصدون ويتربصون لكل عمل خلاق ينفض الغبار لأن ذلك سيفقدهم سلطويتهم ووجاهتهم وروتينيتهم. ومع فرحنا واستبشارنا بكل بارقة إلا أننا وفي جوانب أخرى نتجهم وتتكدر الخواطر مع تصاعد وتيرة البيروقراطية الصدئة وعلوّ شأنها.. فنجد أن المسافة لا تقصر بل تطول وتتمدد. فعند انقطاع الكهرباء على سبيل المثال لا الحصر عليك أن تتصل بأكثر من مسؤول كي تبلغهم بالانقطاع وعليك أن تنتظر إلى أن يأتي الفرج.. ربما جاء الفرج في يوم وربما لا يأتي كما حدث مع صاحبي ولجأ حين طال به المقام منتظرا فاستعان بصديق وبادر بحل المشكلة ألم أقل لكم أن المسافة تطول؟؟؟ ومثال حي هو الآخر حين تطلب نجدة إسعاف الهلال الأحمر من أي موقع وأورده هنا كمثال فعليك أن تتصل بمسؤول فآخر كي يأمر لك بأن تُسعف من الهلال الأحمر في المكان الذي تتواجد فيه.. فهل الحالة الإسعافية تتطلب مثل هذا المسافة؟؟؟ ومن يدهش ولم يصدق ما أوردته.. فعليه بالتجربة.. لا أعرف مبررا مقنعا ولا حتى شيئا يستساغ وتقبل هذا الواقع يبدو أنه بعيد المسافة.
والأدهى والأمر حين ينفذ المشروع لدينا ننظر للمسافة الزمنية القصيرة كي نعيد المشروع من جديد وبذريعة التطوير والتحسين ومواكبة المرحلة والذرائع والتبريرات لا تخفى على الفطن.. وبمسافة زمنية أخرى لنبقى في حلبة المسافات وجلبة المطالبات والصداع والشكوى.. ولنتصور أن خطا فرعيا للصرف الصحي وبقطر لا يتجاوز (6 بوصات) تم تصميمه منذ أكثر من ربع قرن ولكنه لم ينفذ إلا منذ سنوات فقط... يغلقه جلد دجاجة من مطعم للبروست أو الدهون النباتية والتي ألصق بها هذا الاسم إلصاقا رغم بعدها عن الحقيقة.. أقول ما بين انسداد هذه الماسورة وفتحها مسافة زمنية تستغرق ثلاثة أيام والشارع يعوم على بحيرة من الصرف الصحي...
والمسافة أيضا لها حضورها عند إصدار حجج الاستحكام من المحاكم فبدلا من مخاطبة عدة جهات حكومية لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة... نحن اليوم نخاطب أكثر من ثلاث عشرة جهة حكومية وحين تعود الأجوبة بعدم الممانعة نحتاج لسنوات كي يصدر الصك... ربما يكون صاحبة انتقل إلى رحمة الله... وتبدأ الرحلة للورثة في مسافة جديدة... كل أمورنا ترتبط بالمسافة والمسافة وحدها هي مربط الفرس.