هاتفك الذي تختاره فتقتنيه، تودع فيه قوائم أسماء تربطك بأصحابها علاقات قرب، وعمل، وصداقة ومعرفة، في زوايا منه تخزن مواعيدك وترسم جدول عملك اليومي، وتحفظ مراسلاتك، تستلهمه رقما منها، وتنتظره ينبّهك لموعدك، تخفق فرحتك إنْ وصلك بصوت غاب عنك فجاءك بشوقه، وتفزع إنْ نقل لك ما لا يسرّك، أقرب الأشياء لصوتك، وألصقها بسمعك،...
هاتفك هذا ما علاقتك به؟ هل تختصرها في كونه وسيلة اتصال..؟ أو أحد علامات تحضّرك مستخدماً لأحدث منجزات البشرية..؟ أو تظاهرة لحجم مقدراتك المالية ؟ أو هو لك شيء آخر..؟ هاتفك هل فكّرت يوماً في كيفية تعاملك معه.., ونوعية فهمك له.., ومدى حاجتك إليه.., وأسلوب استخدامك له..؟...
هل هو مستودعك أو يمكن أن توسمه برفيقك..؟ أو يمكن أن تتخلّص منه وتتقي تبعاته.. من تكلفة مادية عند شرائه، وعند تسديد فواتيره، وعند اختيار حديثه وجديد مواصفاته وتميّزه في صناعته..؟.. أو تلك التي تربكك من سرعته في نقل النبأ المؤلم، وتوصيل ما لا ترغب في أن تعلمه.؟ أو تتمنى أنك لم تقتنيه فهو يضعك في حرج استجابة دعوة ينقلها لك، أو كشفه عن موقعك الذي لا تفضّل أن يطلع عليه غيرك، أو تعرضه لعبث الفضوليين يجدون فيه ضالة اسم تخبئه، أو معلومة تحتفظ بها، أو أداء تتجنّب يدك اليمنى معرفته عن اليسرى..؟
هاتفك، هل حقق وجوده في حياتك ما أرضاك ويسر لك، وقرب منك، وأعانك، ووصلك وأنقذك..؟ أم هو لم يفعل وزادك قلقاً، وحرجاً، وعبئاً..؟
هل فكّرت في أن تكون لك منه قناعة أنه وسيلة متطوّرة تربط بمقدرات منجز الإنسان مثلك، في تقريب البعيد وكشف ستر البعد بالصوت والصورة، وربط المسافات حتى غدت الأرض مطويّة في سمعك وناظرك..؟ فتفكّر في أنه الوسيلة الأقرب لك والأخص بك في شأن تجنيحك بلا حواجز ولا طلب هويات ولا مراسم عبور في أرجاء الأرض وأنت بكامل هيمنتك على خطوتك وموقعك، والأحرى بذلك أن تهيمن على بقية ما يجعلك تتعامل مع هاتفك باحترام شديد وتفكير سديد..؟ مع الاسم الذي تسجله في قوائم سجله، ومع الموعد الذي ينبهك له، ومع الصوت الذي يأتيك عنه، ومع المعلومة التي تحتفظ فيها، ومع الأدوار التي يعينك على تبادلها مع الآخرين في دارك أو عملك أو حياتك... لأنه يكشف عن الصدق.. ويظهر الأمانة.. ويشير للوعي.., ويعرف عن هوية السلوك الفردي باختلاف جوانبه..؟