(1)
سئلتُ ذات مرة عن (الفجوة) بين واقع شبابنا العربي المعاصر وما يشهده العالم الأول من قفزات نوعية في (ثقافة) التقنية و(تقنية) الإنجاز، فقلت إن هذا سؤال موجع بكل المقاييس، ويصعب التعاطي معه تفصيلاً عبر عجالة كهذه، وأن كل ما أستطيع ذكره، هو أن جزءاً من الحل للسيطرة عليها يكمن في الآتي:
أولاً: تحقيقُ (مصالحة) عاقلة وعادلة ودائمة بين المنزل والمدرسة، بحيث تكون مدخلاتُهما ومخرجاتُهما في صالح الشاب والشابة، حاضراً ومستقبلاً، بلا تناقض في المخرجات، أو تضارب في الوسيلة، أو ضبابية في الأهداف! هذا الصلحُ سيجفف جزءاً غير هين من منابع القلق في النفوس الشابة، ويردمُ فجوات الخوف من الغد، ويوقظ العزم لمواجهة هذا وذاك!
ثانياً: تحقيق قفزات نوعية في المناهج الدراسية محتوى ووسائل، (تُعلّمُ) الشاب والشابة حب العمل، وفضيلة التفاؤل، ومهارة الاعتماد على النفس والاستمتاع بالتحدي وتحويله إلى إنجازات تضيء دهاليز النفس، وتزرع الثقة في أطرافها، وتكسبها قدراً كبيراً من (الانتماء) إلى الذات أولاً، ثم الأسرة والوطن!
ثالثاً: التسليم بأن (العالم الأول) ليس عدواً لنا في كل ظرف وموقف وآن، مثلما أنه ليس (شماعة) نسقط عليه عثراتنا! والأهم من ذلك كله، أن نحكم الإرادة والعقل والبصيرة، ونوظف (إيجابيات) مخرجات ذلك العالم لصالحنا ونتجاهل ما هو دون ذلك!
بهذا وأكثر منه يمكن أن (نحْلَم) بجيل جديد متحرر من قيود الشتات النفسي، وأوزار الضياع في عتمة البحث عن غد معين، وذاك هو الوعد الموعود مع غدٍ يحكمه العقل والعدل والحب والسلام.
(2)
وسئلتُ في مناسبة أخرى عن (ثقافة) الإنترنت، وموقفي منها، فجاء ردي متأرجحاً بين التفاؤل و(التشاؤل)، إذ قلت إن (الإنترنت) تكاد تتوازى في هذا الزمن المضطرب لدى كثيرين منا مع ضرورات الماء والزاد والهواء، وهي في أحسن أحوالها جسرٌ معلوماتي وثقافي يربط الأمم ببعضها، ويسهل سبُل التواصل معرفيا وثقافيا بينها!
وهي.. في أسوأ أحوالها (مرمى نفايات) للعقل البشري، ينفث من خلالها كل من شاء سموم إحباطاته وأوجاعه وأدرانه! والعقل البصير منا من يعرف ماذا يريد منها، فيتبعه، وما لا يريد، فينبذه!
ولذا، أنصح المتعاملين مع هذه الشبكة (الأخطبوطية) أن يقوا أنفسهم وآلهم فتنة (الإدمان) لهذه الشبكة إدمانا ينسيهم القدرة على التفريق بين ما ينفع منها وما يضر، وما يصدق وما لا يصدق، فهي (سلة معلومات) تفيد الباحث حين لا يكون له وسيلة سواها، وهي من جانب آخر، (ملهاة) تسقط منها بعض النفوس الضعيفة معاناتها وأوزارها وعللها النفسية والاجتماعية على الآخرين!
(3)
وأخيراً، طلب مني قبل حين أن أعلق على قرار ضم قطاعي الإعلام والثقافة تحت ولاية واحدة، فقلت إن القرار حكيمٌ، لأنه لمَّ (شتات) الثقافة مع الإعلام تحت سقف واحد، والتجربة الآن تؤتي أُكلا طيباً قد لا يكون في مستوى طموح المتفائلين ولا مرضياً للمتشائمين أو (المتشائلين)، لكن الزمن وحده بعد عون الله، سيعزز حكمة القرار وصوابه! وأعتقد مخلصاً أن معالي الوزير الشاعر المثقف الدكتور عبدالعزيز خوجه قد وفق في تجسيد (كيمياء) الثقافة و(تقنيات) الإعلام في بوتقة ناجحة نشهد نتائجها، ونرجو لها مزيداً من التألق والنجاح.