كان الحديث عن المقررات الدراسية الجديدة حديثاً متبايناً من قِبل عدد من الكتّاب، الذين ركّزوا بشكل أساسي على الملاحظات والسلبيات التي اقتنصوها في هذه المقررات، وبصرف النظر عن تلك السلبيات البسيطة التي لا تُذكر، مثل التمييز الذي لوحظ في إحدى القصص..
.. التي كانت تتندّر باللون الأسود في أحد كتب لغتي للمرحلة الابتدائية، وكذلك الصورة الشهيرة لأحد الحيوانات في مقرر الرياضيات.
لكن المسألة يجب ألاّ تقف على هذا القدر من التفاصيل الصغيرة التي يمكن تجاوزها وتعديلها بشكل عاجل في طبعة قادمة، إذا ما آمنّا جميعاً بأهمية هذا التغيير الذي حدث، وكنا على قناعة تامة بأهمية الخطوة التي خطتها وزارة التربية والتعليم في قيامها بتطوير وتغيير المقررات الدراسية، لأنّ التغيير انصب بشكل أساسي على طرائق التعليم التقليدية التي كانت سائدة في المقررات السابقة، والتي لا يزال بعضها يدرس حتى يومنا هذا في عدد من المدارس، لأنّ هناك برنامجاً لدى الوزارة كما أعرف يعمل على الإحلال التدريجي للمقررات الجديدة مكان القديمة، وهذا ما يجعلنا نحتاج إلى وقت طويل.
المشكلة الحقيقة التي تواجه المقررات الجديدة، والتي ينبغي على الوزارة أن تواجهها بقوة، هي عدم استيعاب المعلمين لهذه المقررات وعدم مقدرة عدد كبير منهم على التفاعل مع السياسة الجديدة في تدريس هذه المقررات التي تتطلّب بالدرجة الأولى إلغاء العقلية القديمة التي اعتادت على نظرية الحفظ والاسترجاع، وعلى الأساليب التلقينية في تقديم المحتوى المراد تدريسه، وكذلك إيمان المعلم بأنه هو الذي يمتلك المعلومة التي يتوخّى الطالب الحصول عليها من خلاله، ولكون الزمن قد تغيّر، وحدثت نقلات كبيرة في العالم، من خلال الثورة المعلوماتية التي أصبحت توفّر أي معلومة بشكل يسير، وفي أسرع وقت ممكن، وبوسائل تقنية متعدّدة، فإنّ هذه النظرة باتت من الماضي، ولم يَعُد الطالب بحاجة إلى المعلم في الحصول على المعلومة، وإنما على المعلم أن يدرك أنّ دوره يتمحور في تدريب الطالب على الحصول على المعلومة التي أصبحت الآن في متناول الجميع.
السؤال الذي يطرح نفسه، كيف لوزارة التربية والتعليم أن تتمكن من نقل هذه الصورة للمعلمين، وكيف ستتمكن من بث هذا المفهوم الجديد في عقلياتهم، وبالذات أنّ هناك عدداً منهم أعني المعلمين يعيشون الزمن الماضي على مستوى المقرر، وأيضاً على مستوى المنهج الذي يمثل البيئة التعليمية الكاملة التي يعيشها الطالب داخل المدرسة.
أقول إنّ هناك نقصاً حقيقياً في تدريب المعلمين، الذين يحتاجون إلى جهود جبارة وتكثيف حقيقي في مجال التدريب المستمر لهم، حتى يتمكنوا من استيعاب الدرس للرسالة التي تنتهجها المقررات الجديدة، والتي يجب أن تتجاوز المقرر لتصل إلى العملية التربوية كاملة في البيئة التعليمية، وهذا الأمر لا يتحقق ما لم يتم أيضاً عمل نقلات حقيقية في هذه البيئة، من خلال تفعيل دور النشاط داخل المدارس، وإلاّ يظل « شكلياً « فقط، وكذلك تفعيل دور المعلم المتخصص في الموهبة، وكذلك تفعيل دور معلم المصادر، وتوعية المعلم أيضاً برسالته داخل المدرسة إبان تعامله مع الطلاب، وليس فقط أثناء تدريسه للمادة المقررة.
إذن: هي منظومة واحدة، يرتبط بعضها ببعض، ولا يمكن لنا أن نفصل المقرر على حدة، ونعتقد أننا عندما قمنا بتطوير المقرر حققنا الهدف، المسألة بحاجة إلى جهود جبارة وكبيرة، خاصة وأنّ الوزارة لا تزال في طور تدريب المعلمين، الذين كثير منهم لم يجد فرصته في التدريب على المقررات الجديدة، ونجدهم يجتهدون في تدريس هذه المقررات جهوداً شخصية، لا تبنى على أسس علمية ومعرفية بآليات توصيل رسالة هذه المقررات المتفوّقة من الناحية الذهنية والعقلية، وكذلك فقر كثير من المدارس لوجود الأجهزة الحديثة التي تساعد على تدريس هذه المقررات، وبالذات الكمبيوترات، ووسائل العرض المرتبطة بالحاسوب والأجهزة الحديثة المرتبطة بهذا النّسق، وللحديث عن هذا الموضوع بقية.