تجاوزت القيمة السوقية للأسهم المدرجة في السوق السعودي أربعة تريليونات ريال (التريليون يساوي مليون مليون)، عابرة حاجز العشرين ألف نُقطة على مؤشر (تداول) في مسيرة من الصعود المتسارع الذي لم تنجح في تهدئته العديد من إشارات التحذير. ثم بدأ انهيار الأسعار في ذلك المشهود بسيل جارف من العروض دون طلبات، واستسلم السوق للنزيف بالنسبة القصوى (5%) عدة أيام ثم استراح قليلاً إثر التطمينات الرسمية. ثم استأنف المسيرة نحو الهاوية ماحياً في بضعة أشهر أكثر من نصف قيمته السوقية، بخسارة تجاوزت تريليوني ريال، فأين ذهب هذا المبلغ الهائل الذي يُعادل ضعف الناتج القومي السعودي خلال عام كامل؟ كلنا نعلم من هم الخاسرون، ولكن هل هناك من كاسبين في المقابل؟ ومن هم؟ الأجوبة ليست بتلك السهولة. فاللعبة هنا ليست مما يوصف باللعبة الصفرية zero-sum game بمعنى أنه ليس بالضرورة وجود كاسبون مقابل الخاسرين بل الصحيح أن جميع المستثمرين في السوق عند بدء الانهيار قد خسروا لأن ما حدث هو هبوط مِظلي شامل في قيمة الأسهم مقابل الريال بعد مرحلة من الصعود المتسارع المبالغ فيه المدفوع بالتنافس المحموم نحو اقتناص منافع يدرك الأغلبية أنها غير واقعية ولكن التحدي كان من يستطيع الإغارة ثم الهرب قبل أن يصطاده الفخ. وما إن فقد السوق زخم الصعود حتى توقف بُرهة ثم هوى في دوامة مغلقة من الانهيار الذي فاقم منه الهلع العام بما يشبه تحرك الجماهير الغفيرة في ساحة مفتوحة. والسوق في مثل هذه الارتفاعات المدفوعة بوقود المضاربة يشبه الدراجة الهوائية التي ما أن تتوقف عن السير حتى تسقط. وهذه الظاهرة ليست مقصورة على المملكة وإنما تتكرر في كل الأسواق والدول. ويجب ألا نغفل عوامل أخرى قد تُساعد في تفسير تبخر ذلك المبلغ الهائل في عدة أشهر، فالمستثمرين في السوق كانوا في فترة الازدهار ينفقون بسخاء وكرم متكئين على أرصدتهم الرقمية الوهمية، فكأنهم بذلك يقترضون من المستقبل، وعندما عجز السوق عن تقديم المزيد من السيولة لهم أو عندما عجزوا عن إمداده بالسيولة التي يحتاجها لمواصلة الصعود، انتكس وسقط مُستعيداً من المستثمرين ثمن ما قدمه لهم من قروض في سالف الأيام. بقي أن نشير إلى أن ذلك الانهيار كان من بين الأشد حدة وإيلاماً في تاريخ الانهيارات المكتوبة، وأن أبعاده الاجتماعية والإنسانية لم تنل نصيبها الذي تستحقه من التعامل معها أو حتى دراستها وتوثيقها.