مع قهوة الصباح الباكر تعودت أن أمزجها بحروف الكتاب الزملاء في الجزيرة وعدد آخر في صحف أخرى، وتأخذني أساليبهم في التعبير عن أفكارهم دروباً شتى بعضها أتأمل فيه جملهم كيف ركبوها، وبعضهم معلوماتهم ما مصادرها ومصداقيتها، وفي كثير أتفكر في أرواحهم الوثابة، أو قلقهم المتفاوت في سرعة نبضه، وربما اطمئنانهم الراسم لحياة جميلة بمجرد الدعة في بحور امتدت إلينا أمواجها، ومنهم من تدهشني قدرته على تحريك زمر القراء في شأنه، كان على حق أو جانبه، وغالباً ما أكون على حياد مع هذا الكم الهائل من حروف تحبر مساحات الصحف وأنهارها, ونادراً ما تلح علي فكرة وقوعي بين مطارقهم كل يوم, وسنادينهم،.. فمدى الاختلاف قائم، وأمل الاتفاق يلوح، لا خلاف البتة إلا ما تماس مع أشياء كبيرة في الصدر، وعظيمة في الفكر، لا حياد فيها ولا تنازل عنها، لكنهم وأنا معهم نتعرض كل يوم لشمسه، تلفحنا بشعاعها الهارب من الثقب لجلود عقولنا، وتصد عنا كل يوم بغروبها النازل بزحمتنا، التي تجعل أغلبية الكتاب لا يقرؤون لبعضهم، وأكثرهم يتقسمون زمراً وآحاداً..
قهوة الصباح حين أمزجها بما يقول الآخرون، أستطعم مدىً من القناعات، ليس بالضرورة أن يعرفوها، لكن من الأهمية بمكان أن تستقر بي سفينة فهمي.. ومن ثم يبسط لي شاطئ البن امتداده، لأبحر كل يوم مع قهوته في أعماق ما يعكس نهم الكتابة، وركض الأقلام..