كان سمو الأمير فهد بن بدر بن عبدالعزيز أمير منطقة الجوف قد سبق وحذَّر مديري المياه والكهرباء بالجوف من تكرر انقطاعات أخرى للمياه والكهرباء، وأنذرهم قائلاً: في حال استمرار هذه الانقطاعات سيضطر لقطع الخدمتين عن منزليهما؛ وهذا من الحزم الذي يجب أن يتحلى به كبار المسؤولين.. قد يقول قائل: ليس بالضرورة أن انقطاع التيار الكهربائي وانقطاع المياه بسببهما، وإنما قد يكون بسبب تقاعس من هو أكبر منهما في الهرم الوظيفي المسؤول عن هاتين الخدمتين في الدولة، أو في تقاعس المسؤولين عن التخطيط المستقبلي في وزارة المياه والكهرباء. لنفترض أن ذلك صحيحاً على سبيل المجاراة، ذنبهما أنهما قبلا بالمسؤولية، ورضيا بالبقاء في موقعيهما الوظيفيان، رغم هذا القصور في الخدمة التي يضطلعا بتنفيذها والإشراف عليها؛ أن تقبل بالمنصب، فضلاً عن أن تستمر فيه رغم تدني مستوى الخدمات، يعني أنك تتحمل المسؤولية (كاملة) أمام الحاكم والمحكومين؛ وسوف نحترم أي مسؤول لو أنه عندما يجد أن هناك من لا يُلبي احتياجات المنطقة في الجهاز الوظيفي (الأعلى) المسؤول عن هذه الخدمات، قدم استقالته احتجاجاً على عدم تمكينه من القيام بما ألقي على عاتقيه من مسؤوليات؛ أما أن تبقى في منصبك، ثم تلقي بالمسؤولية على من هو أعلى منك، فهذا مهما كانت المبررات تهرّب من المسؤولية.
ولا أدري لماذا لم تعرف الحياة الإدارية في المملكة أن مسؤولاً عن الخدمات (استقال) احتجاجاً على عدم تمكينه من القيام بمهامه كما ينبغي، مثلما يجري في الدول المتقدمة. لو أن ثقافة الاستقالة (المُسببة) والمعلنة عرفناها في حياتنا الإدارية، لما كان ركل المسؤولية إلى الأعلى هي أفضل السبل للتهرب من تحمل المسؤولية. فالعمل الحكومي أو شبه الحكومي، وبالذات في قطاع الخدمات، هو تكليف قبل أن يكون تشريفا. أن تقبل التكليف يجب أن تقبل المحاسبة؛ حتى وإن وصلت المحاسبة إلى أن تُقطع الخدمة عن منزلك لتذوق ما يذوقه من يعانون من غياب هذه الخدمات، انطلاقاً من قاعدة: العقاب من جنس العمل.
والعمل الحكومي، أو في شركات الخدمات العامة، كالماء والكهرباء مثلاً، ليس تشريفاً كما يظن البعض؛ بل هو أولاً وقبل أي شيء تكليف، وحينما لا يكون المرء قادراً على الاضطلاع به، وتذليل كل الصعوبات التي تعيق تقديم الخدمة التي أنيط به تقديمها على أكمل وجه، يجب أن يرحل. وتاريخنا الإداري مكتظ بأولئك الذين كانوا (يجثمون) على بعض المناصب الخدماتية، ولا يحركون ساكناً رغم سوئها، ويعيثون فيها تسلطاً على صغار الموظفين، وعندما تسألهم عن سبب قصور وتدني الخدمات الموكلة إليهم يلقون بالمسؤولية على منهم أكبر في الهيكل الوظيفي؛ ثم وبمجرد استبدالهم بغيرهم، تكتشف أن هذه الخدمات تتحسن؛ الأمر الذي يؤكد أنهم كانوا السبب؛ والأمثلة على ما أقول أكثر من أن تحصى.
كل ما أريد أن أقوله أن المسؤول الذي لا يبذل كل جهده لخدمة أهدافه يجب أن يذوق ما يذوقه المواطن؛ وإذا كان لا يستطيع تذليل العقبات فيجب أن يستقيل؛ ليتيح المجال لمن هو قادر على تذليل العقبات وخدمة المواطنين.
تنويه:
قرأت رد الدكتور سعد بن مطر العتيبي عليَّ هنا في عزيزتي الجزيرة الذي جاء على حلقتين.. يوم الخميس القادم سأناقش تعقيبه بالتفصيل.
إلى اللقاء.