من شاهد الصورة التي نشرتها الصحف المحلية لصندوق شاحنة يزدحم فيه 101 مخالف لنظام الإقامة في البلد، بهدف تهريبهم من نجران إلى الرياض، سيسأل نفسه بأسى: كيف تسلل هؤلاء وغيرهم مئات طبعاً من حدودنا الجنوبية؟ وحين أقول مئات، لأن هؤلاء هم من غامروا بالبحث عن مكاسب عالية قد تتوفر في الرياض أكثر من نجران؟ نجران التي ربما لو زارها الروائي الفلسطيني يحيى يخلف، سيكتشف فيها ما لم يكتشفه حينما كتب روايته «نجران تحت الصفر»، لأنه لم يعد ثمة صفراً واحداً، بل أصفار نامت تحتها تلك المدينة.
وحينما نفترض أن الحدود الجنوبية، ذات الطبيعة الجبلية يصعب التحكم فيها والسيطرة عليها، ونفترض أن هؤلاء لم يعبروا من الحدود بين البلدين، فماذا نسمّي هذا المواطن الذي حشر 101 رجل متسلل في صندوق شاحنة، كما لو كانوا في علبة سردين؟ هل هو لا يفهم النظام؟ وأن ما قام به من فعل مشين هو أمر عادي في نظره؟ ألا يفكّر بأنه ساهم في خلخلة الأمن في بلده، وأنه بدلاً من أن يبلغ عن المخالفين، يقوم بالتستر عليهم ونقلهم بسرّية، كي يقبض ثمن تهريبهم من مدينة إلى أخرى؟
قد يبرّر أحد بأن هؤلاء اضطرتهم ظروف حياتهم البائسة في بلدهم إلى البحث عن حياة كريمة في بلد آخر، هذا صحيح ولكن يجب ألا يكون بطريقة مخالفة لأنظمة الإقامة في هذا البلد الآخر، لأنهم إن لم يكونوا مجرمين أو مطلوبين أمنياً، فإنهم سيصبحون رقماً جديداً ضمن قائمة المتسولين الذين أعلنت شرطة الرياض رقمهم لهذا العام، وهو 59500 متسوّل، يشكل الوافدون 67% منهم، أي أن عددهم يقارب الأربعين ألف متسول في الرياض وحدها فقط.
وقد يبرّر أحد هذا الفعل المشين بأن هذا المواطن قد يكون مجرّد سائق على شاحنة لا يملكها، ويعيش فقراً مدقعاً، ووجد في نقل عمالة هاربة وغير نظامية مكسباً سريعاً، لكن كل التبريرات لا تشفع له لأن يخون وطنه، ويُدخل فيه أشخاصا قد يكون بعضهم أو معظمهم مدانون بجرائم أو منتمين إلى منظمات إرهابية أو ما شابه ذلك.
لماذا يحدث كل هذا عندنا؟ وكيف يرتع هؤلاء المخالفون في البلد بطريقة فوضوية، يتآمر معهم المواطن، إما تهريباً أو تشغيلاً بدون أوراق رسمية؟ كيف نستطيع توعية هذا المواطن وتثقيفه ورفع الحس الوطني لديه؟ كيف يمكن محاصرة محترفي التزوير الذين يصدرون لهم الإقامات؟ كيف نفعّل نظام البصمة ونقاط التفتيش في مداخل المدن وفي الطرق السريعة وحتى داخل المدينة؟ كيف نحوّل مكاتب الاستقدام الفوضوية وغير الملتزمة بالعقود إلى مكاتب شركات ضخمة ومنظّمة، تكفل سهولة استقدام العامل أو الموظف الأجنبي؟ بل كيف نوقف هذا التدفق من العمالة غير المؤهلة وغير النظامية؟ وكيف نوقف معدلات البطالة لدى السعوديين، تلك المعدلات التي تتقافز من عام إلى آخر، حتى لو لم تعلن عنها وزارة العمل والخدمة المدنية، فنظرة سريعة إلى من حولنا من العائلات تكشف لنا أن البطالة لن تتوقف عند حد، طالما الحدود تتدفق منها ملايين العمالة بشكل نظامي أو غير نظامي، وطالما أن المواطن لا يشعر بالمسؤولية تجاه وطنه، وطالما أن هذا المواطن يفكر في الكسب حتى لو ذهب نصف المجتمع إلى الجحيم، وطالما أن العقوبات لا ترقى إلى مستوى الجرم الذي لا يسيء إلى مواطن واحد، بل إلى بلد بأكمله.