الثقافات البشرية كلها تشترك بنسب متفاوتة في الثناء على السكوت وذم الكلام.. وفي لغتنا وثقافتنا العربية نربط السكوت بالوقار بكل ما تحمله هذه الصفة من عمق وثبات وصدقية.. بينما نربط الكلام بالثرثرة بكل ما تحمله من كذب وادعاء ولغو وهذر وكلام بلا معنى ولا قيمة.. مع أن هذه الثقافة الإنسانية المشتركة تبطن الإعجاب بالمتكلم اللبق الماهر الذي يستنهض الهمم ويثير في النفوس الحماس. كما تحس بالشفقة على العييّ.. وتنظر إلى سكوته على أنه عجز.
الثناء على السكوت يبدأ بوصفه هيبة ترفعاً عن المواقف الدنيا أو الأشخاص الأدنى..كما يوصف بأنه تواضع ووفاء ومحبة وابتعاد عن الصراع إكراماً لرجال أو مواقف.. أي أنه موقف عقل يبتعد عن الصخب والأذية وينحاز إلى التعقل ومهادنة الآخر إذا لم يمكن التكامل معه.
يقول مادحو الصمت إنه كلما اقترب الفرد من الصمت كلما كان أقرب إلى الإبداع والإنتاج.. وإن الصمت هو لغة العظماء.. ولغة النادرين الذين استطاعوا كسر شهوة الكلام وتحكموا في رغبة النفس في المكاشفة التي تُسَيِّر حياة كل إنسان وتمثل له قناة تواصل مع الآخر.
أما في عقيدتنا فقد ارتبط الكلام بالثناء وذلك من خلال أمر الله لرسوله الكريم أن يصدع بأمره.. وارتبط السكوت بالذم حينما وصف الرسول الكريم الساكت عن الحق بأنه (شيطان أخرس).. واستخدم أبو حنيفة الكلام معياراً لقياس الفهم وتحديد المقام حينما مد رجليه في حضرة من خدعه مظهره حتى تكلم فاكتشف خواءه العقلي.. كما اعتبر المفكر الفرنسي فولتير الكلام وسلية للحكم على وجود الشخص حينما قال: (تكلم كي أراك).وصف العرب السكوت بالبلاغة في قولهم: (أحمد البلاغة السكوت).. وشجعوا على الصمت بقولهم: (في الصمت ستر للعيّ)..ومنحوه صفات التبجيل منها أن الصمت عبادة و زينة وهيبة وحصن وراحة وجواب للأحمق.ويصف الغرب الموسيقى والرقص والفن التشكيلي على أنها كلها من فنون الصمت.وحينما سئل الإمام علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عن الكلام والسكوت.. أيهما أفضل قال: لكل و احد آفاته.. فإذا سلما من الآفات فالكلام أفضل من السكوت.. فالله تعالى بعث الأنبياء بالكلام وليس السكوت.. ولا استُحِقت الجنة بالسكوت.. ولا تُوقيت النار بالسكوت..كما أنك تصف فضل السكوت بالكلام ولست تصف فضل الكلام بالسكوت).
أوصى الرسول الكريم رجلاً طلب نصيحته أن يحفظ لسانه معللاً ذلك بأنه (لا يكب الناس على مناخرهم في النار إلا حصائد ألسنتهم).
أخيراً.. ما هو رأيك أنت في السكوت؟