قدوتنا في الوفاء هو الرسول صلى الله عليه وسلم الذي كان وفياً مع أصحابه ووفياً مع زوجاته، فهو الذي وصفه الله تعالى بصاحب الخلق العظيم، حيث قال: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}، فهذا الخلق العظيم خليط من الوفاء والصبر والإخلاص والكرم والصدق والتواضع والحلم والحب وهو صفة من صفات نفسه الشريفة صلى الله عليه وسلم.
إنّ قضية الوفاء لا تتحقق إلاّ إذا تضافرت ثلاثة عناصر، الحب، والإنسانية، والإيمان، فالحب محرك الوفاء، والإنسانية ضمانه وبها استمراره، والإيمان هو الضابط له ينبغي على الإنسان لكي يكون وفياً وقادراً على نسيان الغدر والإساءة والوفاء بالعهد، قال تعالى: {وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً} (34) سورة الإسراء.
إنّ موقفه صلى الله عليه وسلم مع كفار قريش الذين آذوه وقاتلوه أشد القتال، وعندما استسلموا له كان حليماً معهم، فقال لهم أذهبوا فأنتم الطلقاء، ولم يحرص على التنكيل بهم أو أخذ الثأر، وهذا قمة الوفاء الذي لا يمكن أن يتحلّى به إنسان سوى الرسول عليه الصلاة والسلام.إنّ الوفاء مع الصديق أمر ملزم للمسلم، وقد حثّنا النبي صلى الله عليه وسلم بقوله (لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام) رواه البخاري.
قال الشاعر:
إذا قلت في شيء نعم فأتمه
فإن نعم دين على الحر واجب
وإلا فقل لا تسترح وترح بها
لئلا يقول الناس عنك إنك كاذب
إنّ الوفاء أعظم صفات الإنسانية فمن فقد فيه الوفاء انسلخ من إنسانيته.
وأعظم الوفاء الذي يتحلّى به بنو البشر هو الوفاء مع الله سبحانه وتعالى، وهو وفاء مقدّس بأن يعبده ولا يشرك به شيئاً، فالإنسان يدرك بفطرته السليمة وعقله أنّ لهذا الكون إلهاً واحداً مستحقاً للعبادة، ولا ننسى قوله سبحانه وتعالى عن وصف المؤمنين إذ قال: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} (صدق الله العظيم) (23) سورة الأحزاب.
إن الوفي هو الذي يحفظ الجميل ولا ينساه ولو بعد عشرات السنين وحين نكون أوفياء مع بعضنا، فإن الغيوم ستمر وتشرق الشمس ويزول الهم وتعود العصافير إلى أوكارها بين أغصان الشجر لتغرد من جديد.
مقدم - متقاعد – الرياض