حين يمحل الكون.. وتلبس السماء عباءة الظلمة.. أتساءل..هل تنمو القصيدة وردة في أرض اليباب.. كستائر فل وبنفسج في وجه الريح المجنونة ؟ لؤلؤة في فم البحر الهائج في ليلة عاصفة يمتد فيها الموج حتى اليابسة ويذيب قلاع الرمل وبيوت الأطفال ومرايا الشمس الدافئة ؟
لغة القصيدة صياغة جديدة لحياة لا ترهقها العتمة ولا يمزقها ضجيج النفوس الحمقاء، القصيدة موسيقى تعزف عليها الروح بأنامل السماء، فتحك الغيم حتى يسيل كنهر يروي عطش القلب الذي تيبس، هي أشرعة تراقص الريح المتكسرة فتتحول إلى أنثى بأقدام راقصة باليه تجيد النقر على مرايا الماء، هي الريح إذا ما نحتت وجه الأرض وصخرها لتعيد تشكيل الحياة.
القصيدة روح باقية بعد أن يتحول الجسد جزءا من تكوين الأرض التي من صلصالها تشكل وإليها عاد ليكون منها، هي لغة سامية لا يجيد غزلها إلا ملائكة فكيف نعيد بها روح الكون بعد أن هامت في متاهات الضياع ؟
القصيدة آلة للحياة كما القلب تماما، صدى للكائنات، حياة للحروف التي تسير في قوافل ودروب العشق الأبدي حتى اللانهاية، شهادة ميلاد ووثيقة حياة.
تولد القصيدة فتزغرد الأرض إعلانا للميلاد، تشرق شمسها فإن هجع النهار تنثر نجومها لآلئ ترتديها السماء فتكون منارا للتائهين الذين يستدلون بها على خارطة الطريق.
آه أيتها القصيدة.. أيتها السحر.. في لحظات التجلي وصعود الروح إلى ما لا يستطيع الجسد أن يكون، أيتها الجنية الزائرة حين اللاوعي، كيف لي أن أكون بحضرتك حين ينزف القلب كي تعيدي صياغة نبضه شعرا ينسكب في آنية القصيد..كوني الميلاد حين لا شيء إلا الشعر يعيد للكون صيغته الأولى.
لي..
لي مع البحر موعد للحنين
وموعد للإياب
مع الغيم شرفة للبكاء
في الصحاري البعيدة
لي خيمة من سماء
«وبيت تخفق الأرياح فيه»
لي عباءة من نسيج الصباحات
تشف أسرار قلب الفتاة