إن سمات الشجاعة والإصرار والمثابرة التي تميزت بها قيادات وزارة الشؤون الإسلامية هي التي جعلتهم يطورون فكرة معرض (كن داعياً) لترى النور على أرض الواقع بعد أن كانت مجرد اقتراح مبدئي ورقي قدم من شاب متطوع غيور،
وأعلم يقينا أن قيادات العمل الدعوي في الوزارة لديهم من الحكمة والبصيرة والجرأة ما يعينهم على رسم مستقبل معارض (كن داعياً) بما يضمن نجاحه في تحقيق الغايات المؤملة منه في هذه المرحلة الحرجة التي يعيشها الوسط الدعوي، وبما يحفظ للمعرض توهجه وشعبيته..
لقد حمل معرض (كن داعياً) منذ انطلاقته الأولى في الدمام عام 1422 وحتى دورته الأخيرة في الأحساء هذا العام 1431 أمارات النجاح وعلامات التميز لأنه من الخطوات المهمة التي أكدت وثبتت - عملياً - مقام وزارة الشؤون الإسلامية باعتبارها الجهة المسؤولة والقادرة والراغبة في دعم وتطوير (صناعة) العمل الدعوي عبر تسهيل تنظيم اللقاءات الموسمية التي تمكن المستثمرين والعاملين في القطاع الدعوي من التواصل مع نظرائهم من جهة وعملائهم والمهتمين بمجال تخصصهم من جهة أخرى.
ولقد نجح المعرض وهو يجوب أرجاء المملكة في تعميق الترابط بين المنهج الوسطي الرشيد الذي تتبناه القيادات العلمية الدينية، وبين العاملين والمهتمين في الشأن الدعوي المحلي بشتى وسائله وطرائقه من خلال إتاحة الفرصة للعلماء بأن يوجهوا المسيرة ويقودوا السفينة الدعوية، في ذات الوقت الذي نال فيه (التنفيذيون) في المؤسسات الدعوية (وقتهم الكافي) لعرض مستجداتهم وأنشطتهم ونوازلهم المتصلة (بالدعوة) على علماء الشريعة وفقهائها بغرض استفتائهم حينا وزيادة وعيهم بالواقع حيناً آخر.
وإنني أقرأ في حضور (ونوعية) مئات الآلاف من الزوار لمعارض (كن داعياً) في مدن قليلة السكان كنجران والأحساء دلالة واضحة على بقاء مكانة وتأثير المؤسسات الإسلامية الدعوية الهادفة في نفوس أفراد المجتمع السعودي بكافة طبقاته الاجتماعية، إذ بالرغم من سعي بعض مؤسسات الإعلام والتوجيه (الغربي والعربي) طوال العقد الميلادي المنفرط في تشويه صورة العمل الإسلامي الخيري ومهاجمتهم له بضراوة - وبغير وجه حق وبتعسف وتجن في بعض الأحيان - إلا أن أعداد الزوار وحجم المبيعات في التظاهرة السنوية الكبرى (كن داعياً) كان من أبلغ الدلائل على أن المجتمع السعودي بات واعياً إلى درجة تمكنه في - آن واحد - من مؤازرة المعطاءات الخيرة للمؤسسات الدعوية والعلمية الموثوقة التي يقف على قيادتها أهل العلم والفضل، ومكافحة الأفعال الضالة للفئات المتطرفة التي عاثت في الأرض فساداً في الداخل والخارج.
أما وقد أكمل (كن داعياً) - اليوم - عامه العاشر فإن القائمين عليه مطالبون من محبيهم قبل - شانئهم - بالتوقف عن الركض الدعوي عاماً كاملاً يتم فيه إعادة النظر في الهدف العام والأهداف الخاصة المحددة ورسم الخطط قصيرة المدى للمعرض في سنواته القادمة، مع الأخذ بعين الاعتبار حجم التغير الاجتماعي وانعكاسات الوضع الاقتصادي وإفرازات التطور الثقافي خلال السنوات العشر الماضية ومدى تأثيراتها القائمة والمتوقعة على موقف شرائح المجتمع (متبرعين - دعاة - مدعوين) وبالتالي التنبؤ وفق الأدوات العلمية بحجم الموارد والمبيعات للمؤسسات الدعوية والخيرية عموماً.
ومن المتغيرات الاجتماعية المهمة التي ينبغي مراعاتها عند التخطيط للدورات القادمة من المعرض هي مدارسة كيفية تطوير (وسائل - وتصورات) الدعاة أفراداً ومؤسسات إزاء كيفية التعامل بواقعية مع الإفرازات السلوكية التي ظهرت على شرائح المجتمع السعودي جراء تعرضهم لأدوات العولمة، وإيلاء الجانب البحثي والاجتهاد الفقهي في نوازل الدعوة حيزاً ومتسعاً كافياً، وأتنبه لخطورة هدر الأوقات والجهود في تكرار الممل لذات الأدوات ونفس المعطيات.
كما أنني أدعو المسؤولين عن المعرض إلى إعادة النظر في الضوابط المحددة للمشاركين للمعارض فعلى سبيل المثال من الممكن النظر في الشرط الأول من شروط المشاركة الذي يحظر المشاركات الخارجية، بحيث يتم السماح للمؤسسات الإسلامية في العالم بالمشاركة في المعرض لتشكل مشاركتها إضافة كمية ونوعية للمعرض ولتخرج به من العباءة المحلية، وتسهم في توسيع آفاق العاملين في القطاع الدعوي، وقد ينجم عن المشاركات الخارجية تحالفات استثمارية وخيرية جديدة يجني الوسط المحيل ثمرتها في النهاية.
كما أنني أطالب القائمين على (كن داعياً) بإجراء تقييم موضوعي يستفيدون فيه من كافة المعطيات والتقارير والإحصائيات والاستبانات السنوية التي توزع كل عام خلال المعرض، بحيث يخضعونها جميعها للدراسة والتحليل المتأني ويرسمون أثرها رؤية ورسالة متجددة للمعرض، مع العمل الجاد على عقد اجتماعات (عصف ذهني) مصغرة أو موسعة يستطلع فيها آراء القيادات والمؤسسات الحكومية والتطوعية المشاركة في الدورات السابقة في مناخات حوار حر خلاب مفتوح أمام الإبداع والتجديد وفق الأطر العامة للمعرض بطبيعة الحال.
وهنا أقترح عليهم أيضاً أن يتحرروا من عنصر الضغط الزمني أو المكاني لمعارض (كن داعياً) عبر استحداث صيغ مرنة تسمح - مثلاً - بعقد المعرض (مصغراً) للإفادة من الزخم الإعلامي والرسمي لبعض التظاهرات القافية الواسعة (كالجنادرية أو معرض الكتاب أو بطولات رياضية)، أو بإقامته مرة كل عامين في مدينة كبرى إذا كان ذلك مجد اقتصادياً، أو إقامته نصف سنوي لفئة متخصصة (لدعوة الجاليات - ومخاطبة الطفل - وهكذا..).
ولا يكون تقييم مسيرة معارض (كن داعياً) متكاملاً ما لم يتم إيكال شق من مهمة التقييم لمؤسسات محايدة متخصصة في مجالات التسويق وإدارة المعارض وأخرى معنية بقياس الرأي العام والتعرف على الاتجاهات بغرض تحديد حجم النجاح - الفعلي- لسلسلة المعارض وتسمية المجالات والأنشطة الأكثر طلباً من الزوار، والوقوف على نقاط الضعف ومجالات التحسين التي ينبغي تطويرها أو إلغائها.
نعم.. نجحت معارض (كن داعياً) بإقامتها.. باستمرارها.. بكسب احترام مؤسسات المجتمع لها.. ولكنها لن تستمر في أداء رسالتها ما لم تجدد من هويتها وتضيف لمسيرتها أبعاداً وغايات منبثقة من ظروف المرحلة الحالية بكل معطياتها.
مدير تحرير مجلة الدعوة -
Mhoshan2000@hotmail.com