وقف إلى ناصية الشارع مستنداً إلى عمود في قمته لوحة كتبت عليها محطة القطار. يتصبب العرق منه وعينه تستدير على طول الشارع وهو في المنتصف تقريباً في انتظار قدوم القطار وبيده حقيبة سوداء ممسكاً بها بقوة.
صرخت عجلات القطار بعد فترة قطعت عمراً من زمن ذلك اليوم، تأهب واستعد واقترب إلى الباب وجموع الناس تزاحمت، اصطفت الأقدام فأخذت تتقافز تريد الدخول وأخيراً ولج إلى الداخل تسابقتِ الناس إلى المقاعد وهو يحتضن حقيبته وعينيه تبحث عن مقعد، بعد لحظات رمى بجسده المنهك من تلك الوقفة على مقعد قرب النافذة والحقيبة ملاصقة لصدره، اقترب الموظف منه وسأله: هلا أعطيتني الحقيبة لأضعها على الرف. فاجأه بصرخة مرعبة:
- لا.. لا.. آه.. آه.. أنا سأمسك بها.. لا عليك...!! نظر الموظف إليه باستغراب شديد؛ والعيون تعلقت به شاخصة، ويقطر منها الفضول والتساؤل ؟ عندها رمقه اثنان خلفه تماماً، فنظر احدهما إلى الآخر !! وبعد لحظه أشع أحدهما ابتسامة خبيثة فهزا الآخر رأسه!!.
بعد لحظات تململ سعيد في مقعده أدار عينيه وهو يقول لنفسه ماذا أفعل؟ أين أضع هذه الحقيبة؟ لكن.. آه.. لا.. لن أتركها أبداً.. ثم غيّر جلسته وجعل الحقيبة تقبع بين فخذيه!
اسند رأسه إلى ظهر المقعد لعله يلتمس بعضاً من الراحة. وهو لا يدري ان هناك كاميرا متحركة لعيون خلفية تراقبه وتسلط ضوءها عليه ترصد تحركاته. بعد ساعتين من جاءه الموظف يسأله: ماذا تشرب؟، سأله سعيد:
- أتعرف مصرفا قريبا من المحطة القادمة، هزّ الرجل رأسه نافياً معرفة بذلك ؟ فصُدم سعيد بإجابته، ثم أخذ يفكر!!.
بعد لحظات جاء صوت الميكرفون يعلن اقتراب القطار من المحطة التالية أعلن اسمها ومن يرغب النزول إليها يستعد..!! فنهض سعيد وحقيبته بيده.
بعد فترة زمنية وجيزة وجد نفسه يتخطى شارعا يمتد في الجهة الشمالية، مشى وعيونه تستدير متعلقة باللوحات المضيئة على صور كل عمارة، ولم يلحظ من يشاطره الطريق كظلة يتبعانه.. خطوة خطوة..، وهو غارق في التفكير والبحث فلم يشعر بهما.
بعد ساعة من نزوله من القطار وقف وجهاً لوجه أمام المصرف، صعد السلم وطرق الباب، دخل، أوحى إلى الموظف بعض الكلمات فهز الموظف رأسه بالنفي فتأوه سعيد وأرخى رأسه وجرّ قدميه متجها للخروج.
العيون الفضولية رأت المشهد من خلال الزجاج الخارجي ثم فرّت تتوارى عنه.
ابتعد قليلاً ثم توقف على ناصية الشارع وأشار إلى سيارة الأجرة، وقف بعد لحظة قفز إلى داخل السيارة وانطلقت به، تبعه الاثنان بسرعة فائقة يطاردانه.
بعد فترة زمنية ليست بالقصيرة ترجل سعيد عن السيارة ودخل إلى فندق وما هي إلا ربع ساعة حتى أصبح في غرفة لوحده.
في الصباح الباكر استيقظ، بحث عن الحقيبة...، لم يجدها فطار عقله وشخّص بصره! فصرخ،، ركض إلى الباب ونزل الدرج وهو يقول: لص لص سرقني..، وفي نهاية السلم وجد الحقيبة، انكسر قفلها وتناثر ما بداخلها ركز بصره يبحث هنا وهناك ثم أمسك بها.. القلادة..، يلفها ورقة مكتوب عليها: سعيد أحبك..، وداعاً.. أمك.