مما هو شائع ويؤسف عليه أنه لا زال لدى الكثيرين اعتقاد بأن النجاح يفسد الناس فلو أخذت نظرة سريعة في مجالس مجتمعنا رجالاً ونساء وفتيات وشباباً، لن يخلو حديث لهم من ذكر لشخص ما غائب وحسب ما يكون له من وجاهة أو تميز إما في منصبه العملي أو الأسري أو ثرائه المادي أو حتى جماله الخلقي أو الخُلُقي أو بأي شأن فضل الله به عليه عن عباده, يلاحظ ما أن يذكر بالحسنى إلا ويعلو صوت يقدح بأنتن العبارات في المتحدث عنه والمتحدث أيضا, متأنفاً من الثناء ومجرحاً في الصورة وروحها، متفنناً بذكر المساوئ وسخياً بذكر الهفوات مظهراً مهارات المحاسب الفذ في عد الزلات ومعمماً السلوك السيئ لفئة قليلة ملصقاً إياه لذات أخرى ضعيفة حيث لا عذر ولا حسن إدراك وما علم أنه بذلك يزيد من نفور جلسائه له وإن سمع له وأيده بعضهم مجاملة بقول نعم جرياً معه في بضع كلمات، ولو توقف وتفحص قلبه للحظات قبل أن يدع لسانه يهذر كاشفاً عما في نفسه من فشل لأنه ينبئ عن مئاربه الشخصية وكاشفاً عن عقله حيث إن الفشل والعيش في حسراته يؤدي إلى المرارة والقسوة والحسد وأسمج الصفات التي قد لا يعيها من تغيب عن تفحص قلبه واللامدرك لمسببات واقعه.
إذا شئت أن تحيا سليماً من الأذى
ودينك موفور وعرضك صين
فلا ينطق منك اللسان بسوأة
فللناس سوآت وللناس ألسن
وعينك إن أبدت إليك مساوياً
لقوم فقل يا عين للناس أعين
فعاشر بإنصاف وكن متودّداً
ولا تلق إلا بالتي هي أحسن
هي فئة من البشر تتصدى الأحاديث الطيبة ليس جهلاً بالخطأ الذي تقع فيه بل اعتيادا عليه بسوء وعي وغياب تهذيب للنفس وكل ذلك ينعكس تعاسة في حياتهم.
فيا رعاك الله في أي مجلس كنت قبل أن تلقي حديثاً عن أحدهم أو تشارك جزافا عليك أن تتفحص قلبك وتخلص نيتك يقول الله تعالى: {يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ} (آل عمران: 167). امسح سوآت الآخرين واعلم أن في دنياك أموراً هي أهم من تتبع الآخر وزلاته أو في مصاحبته والغدر به بعد زمن بالخوض في نياته، إياك أن تقذف في القلوب غلا على أحد أياً يكن ودع لك مع الآخرين بسمات تشع العمركله واسق زهرات الأحاديث الودية ماء نقيا كما يسري شذا الواحات الخضراء زكيا، أبعد الأشواك بأن تنصب نفسك مذباً عن عرض إخوتك من البشر واحفظهم في غيباتهم بالحسنى، قرّب لهم بالكلم الودود واحظ بسحر الحديث العطر، وإن لم تستطع في البدء في إيجاد ما يسرك في أحدهم فاعظم مكافأة تكافئها قلبك أن تلزم صمتك وتفز بطهارته وتتأمل في محاسنه التي قد لا تحسنها أنت وهنا شيئاً فشيئاً تتعلم منه فتمتن لوجود أمثاله وحينها ستتفيأ بنبض المحبة وتنغمر في راحة التسامح وتكتسي بجلال العفو, تصفو لك الحياة مهما كثر الملام وتوالى صغار فمخزونك لم يجف ولا يزال يمددك بمعين يرويك ويريك جمال روحك حيث يشيع اللا جمال.
هدى بنت ناصر الفريح