إن إرهاق الحدّ في التعليم مضرٌ بالمتعلم، ولاسيما في أصاغرِ الولد، لأنَّهُ من سوءِ الملكة، ومن كان مُربَّاه بالعسف والقهر من المتعلمين أو المماليك أو الخدم، سطا به القهر، وضيقَ عليه النفس في انبساطها، وذهب بنشاطها، ودعاه إلى الكسل، وحملهُ على الكذب والخبث، وهو التظاهرُ بغيرِ ما في ضميره، خوفاً من انبساط الأيدي عليه بالقهر وعلَّمه المكرُ والخديعة، لذلك صارت له عادة وخلقاً، وفسدت معاني الإنسانية التي له من حيث الاجتماع والتمدن وهي الحمية والمدافعة عن نفسه ومنزله وصار عيالاً على غيره في ذلك، بل وكسلت النفس عن اكتساب الفضائل، والخلق الجميل، فانقبضت عن غايتها، ومدى إنسانيتها، فانتكس وعاد أسفل سافلين.
«ابن خلدون»