إن القلم ليقف حائرا مترددا حينما يريد أن يترجم مواقف رجل يعدل عدداً من الرجال، ولعل هذا التردد ناجم عن خشيتنا من عدم إعطاء الرجل قدره وحقه، لأن مواقفه متألقة على سمع الزمان وبصره، إلا أن مشاعري وأحاسيسي تجاه هذا الأمير العلم جعلني أفكر بأني أولى الناس في الإشادة بسموه.
فسمو الأمير سلمان بحر زاخر في السماحة والجود والبذل والعطاء، ويصدق فيه قول الشاعر:
هو البحر من أي النواحي أتيته
فلُجَّتُهُ المعروف والجود ساحله
تعوَّدَ بَسْطَ الكف حتى لو انه
ثناها لقبضٍ لم تُطِعْهُ أنامله
لم يكن سلمان بن عبد العزيز من الرجال الذين يفتخرون بأسلافهم فقط، بل سجل تاريخا وأنجز مواقف سطرها التاريخ بأحرف من نور، وافتخرنا نحن بسموه وماضي أسلافه وحاضره، وحق لنا ذلك.
وعلى عجالة سأورد مأثرة من مآثره أرى أن مجتمعاتنا بأمس الحاجة لها، فهي ركيزة قوية وقاعدة متينة لبناء أساس الحياة في أسرة متكاتفة، ومجتمع ناجح وأمة عظيمة أوصى بها رب العزة والجلال ثم الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام والعلماء والعقلاء والساسة، وبها تصفو الحياة وبضدها تتبعثر القيم وتتمزق الأمم وينكسر الجناح.
إنها الأرحام بذاتها وصفاتها، وعلاقة فارس مقالنا بأرحامه وذويه برا بوالديه قوية ومتينة يعرفها القاصي والداني، ويشار إليها بالبنان، فلا يمكن أن يذكر سلمان إلا وتذكر هذه المزية ولا ننسى مواقفه نحن أبناء المملكة في مرافقته لإخوته منذ عهد جلالة الملك خالد -رحمه الله - حيث إن سموه -حفظه الله-رافق جلالة الملك خالد فترة طويلة في مدة ذهابه للعلاج خارج البلاد وكذلك مرافقته للملك فهد بن عبد العزيز، ولم تنته المواقف ولن تنتهي مع رجل نذر نفسه للدين والمليك والوطن، فما زال سلمان مستمرا في عطائه وبذله ومواقفه العظيمة المشرفة -أطال الله عمره على طاعته-، ولقد قلتها مرارا وتكرارا بيقين جازم بأن التاريخ لن ينسى سلمان ووقفاته وأقول أيضا: هنيئا لجلساء سموه إذ إنني أغبطهم لأنهم ينهلون من عذب مائه ويستقون العبر والدروس منه.
فمازلت أتذكر بإعجاب وإكبار بره المتواصل ووفاءه لخاله حينما قام سموه حفظه الله بزيارته الميمونة لدار الجوف للعلوم إحدى الصروح العلمية والأدبية والخيرية بمنطقة الجوف التي أنشأها معالي الأمير عبد الرحمن بن أحمد السديري رحمه الله، على ضيق وقته وزيادة ارتباطاته والتزاماته رعاه الله حينما كان برفقة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز حفظه الله بتلك الزيارة الأبوية التفقدية والتاريخية للجوف.
ومن يعرف أبا فهد بمواقفه العظيمة الجسام يدرك أنه مدرسة كيف لا ! وهو من خالد لفهد لسلطان نعم لا يستغرب عليه مرافقته لأخيه أمير الخير صاحب السمو الملكي الأمير/ سلطان بن عبد العزيز حفظه الله.
وأكاد أجزم أن تلك المرافقة لأمير الخير كانت بمثابة البلسم للجرح، بل هي علاج ناجع نافع في حد ذاتها بإذن الله.
وبمصاحبة سلمان لسلطان الخير التي دلت على الوفاء والصدق والمحبة هي طمأنة لنا جميعا نحن أبناء المملكة خاصة والأمتين العربية والإسلامية عامة عن أبي خالد أدام الله عليه لباس العافية والصحة والسؤدد.
ولا أخفي سرا بأني حينما دخلت الرياض قادماً من الجوف قرأت على وجوه رجالها وأصالة أهلها وهامات بروجها وشامخات قلاعها وباسقات نخيلها وصفحات بنيانها الفخر والألم، والاعتزاز والشوق وبصمة خير لسلمان وأن له في القلوب مكانة عظيمة ومثل هذه المواقف الفذة العظيمة ليست بغريبة على أبناء الإمام الصالح عبد العزيز ابن عبد الرحمن طيب الله ثراه، لأن آمال الأمة معقودة بهم بعد الله عز وجل.
كما وأنني لن أنسى الدروس المتتالية ذات الحكم والعبر والعظات في اثنينية سلمان، فجلسته فيها ثراء، يرتادها الأمراء والعلماء والوزراء والفقهاء وشيوخ القبائل والأدباء والشعراء، وعلية القوم وأصحاب الحاجات من جميع شرائح المجتمع.
فتجده الحاكم العادل صاحب المهابة والفطنة، والكريم المعطاء وشيخ العشيرة النادر، كما وأن له أطروحات بناءة وأسلوب حوار متبادل متميز ونادر، ويتوج ذلك كله تلك الخصلة الحميدة ألا وهي التواضع وتقدير الناس.