لا شك أن القضاء رمز للعدالة وحصن منيع للإنصاف ورد الحقوق لأصحابها وهذا كله وغيره مصدر حرص الشرع المطهر على تحقيق العدل لاختيار من يتولى القضاء وفق اشتراطات غير عادية لا تتوفر في كل أحد بل هي من الندرة حتى يستعصي على الباحث عن القاضي العادل العثور عليه بيسر. ولأن القضاء محفوف بمخاطر الزيغ عن العدل والحق لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من جعل قاضيا، فقد ذبح بغير سكين» (رواه الترمذي) وما ذاك إلا لمعجزة نبوية تدرك مدى أهمية القضاء في تحقيق العدل والإنصاف وردع الظلم.
المحاماة مهنة حرة شريفة تشارك السلطة القضائية في تحقيق العدالة وتأكيد سيادة القانون ويمارس مهنة المحاماة محامٍ. من التعريف السابق بمهنة المحاماة نجد أن مهنة المحاماة قائمة على الدفاع عن حقوق الغير والتوعية القانونية للمواطنين بحقوقهم وواجباتهم.
ويحكم ممارسة مهنة المحاماة القانون، ونصه العديد من الاتفاقات الدولية على حق المتهم الجنائي بالحصول على مساعدة قانونية ويتوجب على المحامي ممارسة عمله بكل أمانة وصدق وإخلاص مع موكله، وتحت طائلة المسؤولية ترتبط المحاماة بالحياة القانونية، كما تعيش في المحاكم وفي المجتمع ويقع على المحامي واجب متعدد الأبعاد: واجبه نحو موكله، وواجبه نحو خصمه، وواجبه نحو المحكمة، وواجبه تجاه نفسه، وواجبه تجاه النظام القانوني في الدولة.
ولكن الواجب الأعلى والأسمى الذي يقع على المحامي هو واجبه لنصرة المظلوم وولاؤه للعدل وللحق وأداء العدل. وإنه من الخطأ أن نعتبر المحامي لسان موكله، والناطق باسمه فقط يقول ما يريد موكله، وإنه أداته لما يرشده إليه، إن المحامي ليس كذلك وإنما هو مدين بالولاء والإخلاص للقضية الأهم وهي قضية العدالة ونصرة الحق. والمحاماة وهي من الحماية، تشكل الدعامة الأساسية لتحقيق العدل، فهي مهنة مستقلة تشكل مع القضاء سلطة العدل، وهي تشارك السلطة القضائية في تحقيق العدل وتأكيد سيادة القانون.
والإنسان في صراعه من أجل الحياة وبنضاله المستمر في درء الأخطار عن حياته وماله وحريته وكرامته وعرضه بحاجة إلى حماية، والمحاماة وجدت لحماية أغلى ما لدى الإنسان: حياته وماله وحريته وكرامته وعرضه، وحماية حقوق الأفراد وحقوق الأمة، والحياة لا تستقيم بدون حماية، ودون حماية المحاماة.
ويجب أن يكون المحامون قادرين على إيصال العدالة للجميع عن طريق السعي لتحسين النظم القانونية وتحسين المهارات المهنية التي تمكن المحامي من تقريب العدالة للناس وعرض قضاياهم على القضاء وتعزيز فهم الجمهور لدور القانون في المجتمع.
مفهوم استقلال المحاماة
ومفهوم المحاماة بالمعنى المتقدم جعل استقلالية المحاماة أهم مقومات وجودها وفعاليتها في أداء دورها، وإذا كان استقلال مهنة المحاماة جزءاً من استقلال القضاء وهما (استقلالية القضاء والمحاماة) جزءان لا يتجزءان لازمان لإقامة العدل، فإن لإستقلالية المحاماة معنى ومفهوماً يختلف عن مفهوم ونطاق استقلال القضاء، ومرد ذلك إلى أن المحاماة ليست سلطة كسلطة القضاء أو سلطة كبقية سلطات الدولة (التنفيذية والتشريعية)، فالمحاماة منذ نشأتها هي مهنة معاونة القضاء تكمل وتشاطر القضاء مهمة إقامة العدل ونصرة المظلوم، ومن هنا اعتبر استقلال المحاماة جزءاً من استقلال القضاء، ومن هنا أيضاً اعتبر أن وجود النظام القانوني العادل والناجع لإقامة العدالة والحماية الفاعلة لحقوق الإنسان وحرياته يتوقفان على استقلال القضاة واستقلال المحامين.
ويقصد باستقلال المحاماة بوجه عام قيام المحامين بأداء دورهم متحررين من كل تأثير أو ضغط من أي جهة كانت، وأن تكون كل السبل ميسرة أمام الجمهور للاستعانة بالخدمة التي يقدمها المحامون.
فالمحامي في أدائه لمهمته وواجبه لا يخضع لغير ضميره النزيه الحر المستقل، واستقلالية المحاماة باعتبارها مستمدة من طبيعة وظيفته الاجتماعية كمشارك للقضاء في إقامة العدل تعني حرية ممارسته لمهنته واستقلاليته في آلية الدفاع عن موكله، ولعل هذا المفهوم لاستقلالية المحاماة هو الذي دفع للقول بأن (المحاماة دعامة العدل باعتبار أن العدل أساس الملك ولا عدل بغير قضاء ولا قضاء بغير محاماة).
وينبغي التأكيد على أن استقلال مهنة المحاماة منوط بالمحامين في التزامهم الأخلاقي بكل ما يكفل نزاهتهم ويحافظ على شرف وكرامة المهنة وفي التزامهم بالحفاظ على كفاءتهم المهنية وتطوير قدراتهم المعرفية وأدائهم العملي.