لم يرد مفهوم التطرف في الكتاب ولا في السنة بمفهوم اللفظ، ولكن ورد بمعنى الغلو، وعليه فإن التطرف ليس له أصول شرعية، إنما استعمل للتعبير عن مفهوم الغلو في الدين. والتطرف يعني: الانحياز إلى طرفي الأمر، فيشمل الغلو، لكن الغلو أخص منه في الزيادة والمجاوزة، ليس فقط بمجرد البعد عن الوسط إلى الأطراف. أو بمعنى آخر كل غلو فهو تطرف، فالتطرف تفعل من الطرف، ومنه قولهم للشمس إذا دنت للغروب تطرفت، فالتطرف هو تجاوز حد الاعتدال وعدم التوسط (معجم اللغة العربية). وفي مصطلحات اللغة الإنجليزية نجد أنها أوردت للتطرف عدة مصطلحات مثل: Extremisme - Integrisme - Fanatism فمصطلح Extremisme يقول عنه معجم «روبير الصغير» أنه أقرب إلى مصطلح التطرف بمعنى الوقوف في طرفي الشيء وليس كل تطرف غلواً. والتطرف أيضاً يعني: الخروج عن القواعد الشفهية العرف أو المكتوبة والقيم والأطر الفكرية والدستورية التي حددها وارتضاها كتحديد لهويته وسمح من خلالها بالتجديد والحوار والمناقشة وهو نهايتي مقياس الاعتدال وليس بأحدهما فقط. وموضوع التطرف قد يكون فكرياً أو سلوكياً ويختلف التطرف عن التدين، فالتدين يعني الالتزام بأحكام الدين والسير على منهاجه وهو أمر مطلوب ومرغوب فيه، يعود بالخير والفلاح على أصحابه، وعلى المجتمع والتدين ظاهرة إيجابية لما فيها من فهم صحيح لنصوص الدين وتمسك رشيد بالتعاليم الدينية والقيم الأخلاقية. أما التطرف فهو الأخذ بظواهر النصوص الدينية على غير علم بمقاصدها وسوء الفهم لها، قد يصل بالمرء إلى درجة الغلو في الدين. وورد لفظ الغلو في القرآن في وصف التطرف وقد نهى الله عنه في قوله تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ} ولقد وصفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: (يخرج قوم في آخر الزمان أحداث الأسنان، سفهاء الأحلام، يقولون من خير قول البرية يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، فأينما لقيتهم فاقتلهم، فإن في قتلهم أجرا لمن قتلهم يوم القيامة) كما وصفهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- (بأنهم كلاب أهل النار) ويمكن تحديد مفهوم التطرف الفكري من الناحية الاصطلاحية بأنه: «الغلو والتنطع في قضايا الشرع، والانحراف المتشدد في فهم قضايا الواقع والحياة» فالميل نحو أي طرف سواء كان غلواً أو تقصيراً، تشدداً أو انحلالاً يعتبر أمراً مذموماً في العقل والشرع، والتطرف والإرهاب وجهان لعملة واحدة وحتى يتحول الشخص المتطرف إلى إرهابي يتخذ أولاً المتطرف مواقف صلبة من العقيدة في وجه الظروف المتغيرة التي قد تتطلب مرونة في التسير والتطبيق، ويلزم اتجاهاً معاكساً نقيضاً لخصم حقيقي موجود في الواقع والخيال. ويبدأ موقف التطرف عادة بالعزلة والمقاطعة المبني على إصدار حكم فردي على المجتمع بالردة أو الكفر والعودة إلى الجاهلية، ثم يتحول من مرحلة التطرف الفكري أو السلوك هذا إلى استعمال وسيلة العنف مع غيره، ويرى المتطرف حينها أن هدم المجتمع ومؤسساته هو نوع من التقرب إلى الله وجهاد في سبيله، وذلك بحجة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو لتحقيق المبادئ التي يؤمن بها الفرد أو جماعته الدينية أو السياسية أو الفئوية، وبذلك فإنه يخرج من حدود الفكر إلى نطاق الجريمة ويتحول إلى إرهابي. ويعتبر التطرف هو الجانب النظري لصناعة الإرهاب حيث لا يختلف اثنان على أن الإرهاب الذي ظهر في الآونة الأخيرة كان وليد التطرف الديني الذي سبقه بعقود والذي يمثل - أي التطرف - حركة باطنية نفسية أو عقلية أو هما معاً.. بمعنى اقتناع النفس الإنسانية بعقيدة أو فكرة على مستوى النقيض، وهو في حد ذاته نوع من العجز عن رؤية الجوانب الأخرى من الفكرة الواحدة بحيث يتراءى للمتطرف أن الزاوية التي يرى منها هي الزاوية الوحيدة للنظر، وأن جميع ما سواها باطل، وطبيعي أن هذا التفسير للتطرف إنما ينصرف إلى التطرف الأعمى الماثل الآن الذي لا يستند إلى أسباب موضوعية أو منطقية سليمة يحدوها سلامة الهدف والغاية. وللتطرف الأعمى - بالذات - سمات خاصة فهو عادة يكون رد فعل وليس فعلاً قائما ًذاته كما أنه غالباً ما يكون نظرية مغرضة خالية من شرف الغاية فهي حينئذ إما ستار لإخفاء عدم البصر بحقيقة الأشياء أو وسيلة لتحقيق غايات سياسية معينة. والتطرف اليوم أصبح ظاهرة عالمية وليست محلية تتداخل فيها الأسباب والدوافع بكل ألوانها وأطيافها ومن أهم هذه الأسباب: افتقاد الناشئة والشباب إلى القدوة والمثل الأعلى والتسلط الأسرى والتفسير الخاطئ للدين والاعتماد على تفسير واحد فيه أو رأي فرد واحد وتخطئة جميع الاجتهادات الأخرى و التجاء الشباب - في ظل الفراغ الفكري وقلة الوعي الديني - إلى جماعات الخروج والتمرد والانشقاق والمواجهة المسلحة و ضعف البرامج التربوية (العلاجية والوقائية) وعلى هذا فإن الغلو أو التطرف لم يعد في الدين فقط بل في مختلف ممارسة الحياة اليومية، فقد يكون التطرف في الفكر أو السلوك أو فيهما معاً، ومن مظاهر التطرف وسمات الشخصية المتطرفة مايلي:
1- الجور على حقوق أخرى يجب أن تراعى، وواجبات يجب أن تؤدى.
2- سوء الظن بالناس، والنظر إليهم من خلال منظار أسود يخفي حسناتهم على حين يضخم سيئاتهم.
3- الالتزام المتشدد في القيام بالواجبات الدينية ومحاسبة الناس على النوافل والسنن وكأنها فرائض والاهتمام بالجزئيات والفروع والحكم على إهمالها بالكفر والإلحاد.
4- الغلظة في التعامل والخشونة في الأسلوب والفظاظة في الدعوة.
5- إدخال الخوف على نفس المسلمين والترويع بالحديث عن الموت وعذاب القبر ويوم القيامة وعن الغرب الكافر المستعمر على حد قولهم (نظرية المؤامرة).
6- أغلب المتطرفين من أنصاف المتعلمين ومصادر تعلمهم السماع من الخطباء.
7- يبيح المتطرفون القتل والتمرد للشعوب الكافرة على حد قولهم وسرقة أموال الدول الكافرة بهدف توزيعها على فقراء المسلمين.
8- تفشي حالات التزاوج بين المتطرفين أنفسهم فكل واحد يزوج ابنته أو أخته لصاحبه مثل وفاء الشهري الهاربة إلى اليمن التي تزوجت أكثر من مطلوب بعد مقتله، وآخرهم سعيد الشهري الفار لليمن وهالة القصير وزوجها المعروف بتطرفه وغيرهم الكثير.
9- العزلة في المجتمع وهجر الوظائف الحكومية
10- يحرمون جميع أنواع التعامل مع البنك ويعتبرونها ربا.
11- لا يعترفون بالبطاقات الشخصية أو العائلية أو وجود التلفزيون والراديو ويعتبرونها وسائل للشيطان ودليلا على الفساد.
12- تتسم الشخصية المتطرفة على المستوى العقلي بأسلوب مغلق جامد للتفكير أو بعدم القدرة على تقبل أية معتقدات تختلف عن معتقداتها أو أفكارها أو معتقدات جماعتها وعدم القدرة على التأمل والتفكير والإبداع.
13- يتسم المتطرفون بشدة الانفعال والاندفاع والعدوان والعنف والغضب عند أقل استثارة فالكراهية مطلقة وعنيفة للمخالف أو للمعارض في الرأي والحب الذي يصل إلى حد التقديس والطاعة العمياء لرموز هذا الرأي.
14- الخروج على الحكام من أبرز سماتهم، ومسوغهم في ذلك دعوى تكفيرهم لعدم حكمهم بما أنزل الله أو لمخالفتهم للشرع أو لعمالتهم للغرب الكافر على حد زعمهم.
15- الحكم على المجتمعات الإسلامية المعاصرة بأنها مجتمعات جاهلية والحكم على من لا يهجرها بالكفر (أي تكفير المجتمعات القائمة).
16- الحكم على بلاد المسلمين التي لا يقيم حكمها الحدود الشرعية بأنها دار كفر لا دار إسلام.
17- يرجعون في جذورهم للخوارج في مسألة التكفير والحاكمية لله.
18- التعصب من أبرز سماتهم حيث يصادرون الآخرين رأيهم ويرون أنهم على حق ومن عداهم على الضلال والباطل.
19- يبلغ هذا التطرف مداه حيث يسقط المتطرف عصمة الآخرين ويستبيح دماءهم أو أموالهم لأنهم خارجون عن الإسلام وكفار على حد زعمهم.
20- منهجهم المتطرف يقوم على تفسير النصوص حرفياً دون مراعاة مقاصد الشريعة.
21- يقوم المتطرفون والإرهابيون بتكوين منظمات وخلايا سرية يتم من خلال التغرير بالشباب وتجنيدهم للقيام بأعمال عنف وإرهاب، والهدف إشاعة الفوضى والانتفاضة على مرافق الحكم للوصول إلى سدة الحكم تحقيقاً لمبدأ الحاكمية الذي يؤمنون به.
22- لا يؤمنون بالحوار مع الآخر ولا يؤمنون بحرية الدين أو التعامل مع الأجنبي وبقائه في البلاد الإسلامية التي أقرها الإسلام في قوله تعالى (لا إكراه في الدين) مستندين على فهم خاطئ للحديث الشريف (لا يبقى دينان في جزيرة العرب) ولو درسوا سيرة النبي صلى الله عليه وسلم في تعامله مع اليهود في المدينة، وكفار قريش في مكة، وسيرة الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه في تعامله مع اليهودي واحتكامه إلى القاضي في قضية الدرع الذي أخذه اليهودي بحكم القاضي، لعرفوا خطأ اعتقادهم وسوء فهمهم وجهلهم بمقاصد الشريعة الإسلام. ومن صفات المتطرفين وسماتهم ايضاًحداثة السن وقلة العلم، إعجابهم بأنفسهم وأعمالهم، الطعن في العلماء الربانيين وتنقيصهم، تقديم العقل على النقل كما ظهر بوضوح في تراجعات العائد من مناطق الصراع في اليمن محمد العوفي الذي كشف من خلاله كيف يُزج بسعوديين وتستغل هويتهم من قبل قيادة القاعدة وجعلهم رموزا صورية في القيادة وكيف تقودهم استخبارات دول لها مصالح إقليمية وسياسات تهدف إلى زعزعة الاستقرار في المملكة، إذا نحن نواجه معضلة كبيرة يشكل التطرف الفكري فيها أزمة حقيقية للفكر، فضلاً عن أزماته الأخرى، إذا تجسد في أرض الواقع، ولكي نبحث عن مخرج لهذه الأزمة الفكرية، يجب أن نحلل الأسباب، ونتتبع الجذور التي أدت إلى هذا التطرف، ونظراً لأهمية هذا التحليل، ودوره المرتقب في تشخيص العلاج المناسب، كان الواجب أن يتولى هذا الدور العظيم مؤسسات متنوعة، بجهود جماعية منظمة لا أفراد أو خبراء مهما بلغ تكوينهم الفكري بعيدا عن التنظير لأن القضاء على الإرهاب يستلزم القضاء على مسبباته وجذوره من خلال إيجاد إستراتيجية أمنية فكرية تربوية تشترك فيها جميع مؤسسات المجتمع، مع توسيع دائرة البحث عن الأسباب الحقيقية للإرهاب ودراسة شاملة للظروف النفسية والاجتماعية والأسرية التي تدفع هؤلاء الشباب إلى التطرف الفكري الذي ينقلهم إلى مناطق الصراع الدولية وممارسة الإرهاب.
*باحث في دائرة الأمن الفكري
hdla.m@hotmail.com