أتابع ما يدور في الساحة الطلابية وبين أروقة المدارس بجميع مراحلها، وأشهد حالات الحيرة التي تسكن طالباتنا على وجه الخصوص! وأعلم يقيناً أن وزارة التربية والتعليم لا تألو جهداً في تخفيف مشاعر الغربة والحيرة لدى بناتنا الطالبات حين خصصت لكل مدرسة مرشدة طلابية أو أكثر، تبعاً للمحسوبية، بينما تعاني بعض المدارس من النقص الشديد في المرشدات المتخصصات بسبب التوقف تماماً عن التعيين والاعتماد على معلمات من الميدان التعليمي.
وبرغم ندرة المتخصصات في الإرشاد الطلابي إلا أن بعض إدارات التعليم جردتها من وظيفتها ومهنتها الإنسانية وأقحمتها في أنشطة وبرامج أبعدتها عن هدفها الأساسي وهو تلمس مشاكل الطالبات والبحث عن حلول لها في ظل الوضع الحالي من انتشار العنف، والانحراف الفكري.
فإذا نظرت إلى المرشدات في المدارس، وجدت معظمهن تركز جهودها لكسب مديرتها أو تسعى جاهدة لإرضاء مشرفتها التي تطالبها بتنفيذ البرامج التي تدعى تجاوزاً (إرشادية) وما هي إلا (مجاكر) بين المشرفات في مراكز وإدارات التربية والتعليم!
ولا تعجب حينئذٍ عندما تبدو ظواهر سلبية بين الطالبات فلا تجد من يدرسها أو يحلها لأن المرشدة مشغولة بكتابة السجلات المتعددة وتنفيذ برامج إرشادية رُصِدت لها ميزانية خاصة وأُعِدت لها سجلات براقة وشكليات لا تنتفع منها الطالبات إطلاقاً! ولو كانت تلك الأنشطة والبرامج ضمن إطار إرشادي ومناسب للمرحلة العمرية لكان الأمر مقبولاً، ولكنها أصبحت شغل المرشدة الشاغل وصرفتها عن عملها المناط بها وهو تواجدها في مكتبها وبين طالباتها وتفرغها التام لتكون أماً حنوناً لطالباتها المحرومات من حضن أمٍّ أساسية أو المتعرضات لعنف أسري أو مدرسي.
ولعلي هنا أناشد وزارة التربية والتعليم بإعادة مفهوم الإرشاد الطلابي لمعناه الحقيقي وعدم الزج به في معترك المهرجانات المدرسية سواء بما يسمى بالبرامج الإرشادية أو الأيام المفتوحة التي تبذل فيها بعض مديرات المدارس (أقصى طمعها) لامتصاص جيوب الطالبات وأسرهن بدعوى (سعة الصدر)! بمباركة إدارات التعليم ومكاتب الإشراف، أو الغرق في استعراضات ما يسمى بالدروس النموذجية وحضور درس لمعلمة تبذل (أقصى زينتها وأزهى لوحاتها) للظهور بمظهر يليق بها أمام زميلاتها ومشرفتها! والدرس النموذجي بعيد عن كل تلك الشكليات إذا لم يحمل هم التعليم والتربية على حد سواء.
إن وضع الإرشاد الطلابي بات سيئاً في المدارس إذا لم يُنتشل من وضعه الحالي وفق خطة إستراتيجية واضحة المعالم بعيدة عن الاجتهادات الشخصية، وإظهار الشكليات لتغطية عجز الإشراف الذي يغرد خارج السرب في ظل انشغال بعض منسوباته بأعمالهن الخاصة، ومعاهدهن التدريبية واستغلال طالبات المدارس كفئة مستهدفة لإنعاش تلك المعاهد التي تسمى تجاوزاً (تدريبية) بدعوى تدريب الطالبات وصقلهن لمواجهة الحياة الجامعية بيسر وسهولة. ولو كان التدريب داخل المدارس وبطاقم تربوي تابع للوزارة لكان هدفاً سامياً يستحق الإشادة، أما ما دون ذلك فهو استغلال وظيفة ليس إلا!! مع التحفظ على مسمى التدريب الحالي بوجه عام الذي تصرف له ملايين الريالات بينما تلزم المتدربات بدفع ثمن الحقائب التدريبية التي يتم تصويرها وبيعها عليهن بطريقة تشعر فيها المتدربة بالاستغلال والاستغفال، عدا عن غيابها عدة أيام عن طالباتها.
وحين تنشغل الرموز التربوية بهذا العبث نعلم السبب في إلزام المرشدات الطلابيات بالاجتماعات المجدولة دون الخروج بنتائج، وإشغالها بالبرامج الإرشادية التي لا تناسب المرحلة العمرية ولا تتلمس احتياجات الطالبات ولا تنمي مداركهن أو تصقل مهاراتهن الاجتماعية.
وإن استمر الحال على ذلك؛ فسيبقى الإرشاد الطلابي في مدارس البنات بلا هوية ولا طعم ولا لون.