تعيش أنقرة تحت ظروف مناخية قاسية بلغ معها ارتفاع الجليد لأكثر من متر مرافقاً لانخفاض شديد في درجات الحرارة لأدنى من الصفر. ومع هذه القسوة الشتوية تشهد الساحة السياسية حالة من السخونة المرتفعة والتي تصل مع أحداث ووقائع محاكمة العصر العسكرية لقادة من أعلى رتب القوات المسلحة التركية والتي تحدث لأول مرة وبصورة مفاجئة في التاريخ السياسي التركي منذ تأسيس الدولة التركية عام 1923م ما يسمى بقضية (المطرقة) (pal yoz) وهو الاسم الحركي الذي أطلقته رئاسة الأركان العسكرية على مناورة عسكرية مقترحة للكليات العسكرية في أنقرة والادعاء العام يصفها بأنها حركة سرية القصد منها تغيير الحكم بالقوة العسكرية وإبعاد حزب العدالة والتنمية عن السلطة لما تخشاه المؤسسة العسكرية من أن هناك خطراً يهدد الأفكار الكمالية التي تأسس عليها النظام العلماني الديمقراطي والتي أدرجت في الدستور الأول للجمهورية التركية وتعارض بشدة التحول الأيديولوجي نحو الأفكار الإسلامية وفرضها على الحياة السياسية التركية عن طريق أتباع خطط سياسية جديدة على المجتمع التركي والذي تطبع على الكمالية الأيديولوجية الوحيدة على امتداد ثلاثة أرباع القرن العشرين كمنهج عصري تحميه المؤسسة العسكرية وتدور بمحيطه القوى السياسية وقد ترجمت القوات المسلحة موقف عدم الرضى عن المحاولات الدستورية لجعلها تخضع لإرادة السياسيين الحاليين ببيان عسكري فيه الكثير من التحذير السياسي (لا يستطيع أحد بصرف النظر عن الوظيفة أو المهمة التي يمثلها من أجل مصلحته أو طموحاته السياسية الشخصية أن يعلن أي موقف أو تصريح من شأنه أن يفَلَّ من عزيمة القوات المسلحة التركية وإرباكها أو التشكيك بتصميمها على حماية مصالح الأمة والوقوف أمام كل الفعاليات التي تستهدف أمن الدولة ولن نسمع بالتعرض للأفكار الكمالية والعلمانية أساس الديمقراطية في حياتنا السياسية وقد أعاد هذا البيان الموقع القوي للمؤسسة العسكرية التي تتعرض قياداتها العليا لأكبر دعوى قضائية بتهمة الإعداد لخطة سرية للتغيير بالقوة للحكومة المنتخبة بأكثرية 40% من أبناء الشعب التركي. هذه الدعوى القضائية والتي يسميها بعض المحللين السياسيين بأنها تمت حتى إصدار الأحكام القضائية دون أي مخاطر جانبية لتعلن معها بدء مرحلة هامة في الحياة السياسية التركية وتحول حقيقي نحو حياة دستورية مدنية للمجتمع التركي وتبقى المؤسسة العسكرية لتؤدي واجباتها الأساسية بالمحافظة على الأمن القومي وسلامة الحدود الجغرافية للجمهورية التركية والتزود بآليات حديثة لتطوير أسلحتها العسكرية ووضع أكاليل الورود على (الجندي المجهول) في المناسبات الوطنية! المستقبل القريب قد يولد احتمالات مفاجئة وجديدة بعيدة عن كل هذه الاحتمالات بل تتعدى هذه المطرقة عدداً من القادة البالغ (96) جنرالاً إلى تطويق المؤسسة العسكرية بأكملها ووضعها ضمن دائرة الدولة وسلطة الحكومة كأي جهاز رسمي يخضع للأنظمة والقوانين المنفذة على كافة أجهزة الدولة، فهل تستطيع (المطرقة) حشر المؤسسة العسكرية بكل قواها المتنوعة ضمن محيط دائرة الحكومة!
شجع نجاح الاستفتاء العام بقبول الإصلاحات الدستورية قيادة حزب العدالة والتنمية بقبول اقتراح تقريب الانتخابات العامة وإجرائها في صيف عام 2011م وقد استعدت أحزاب المعارضة وعلى رأسها حزب الشعب الجمهوري الذي يمثل الأيديولوجية الكمالية العلمانية لخوض هذه الانتخابات بقوة وخطة جديدة لشعورها بأن النجاح المتزايد للفكر الإسلامي الليبرالي الذي ينتهجه طيب رجب أردوغان وحزبه يدق ناقوس الخطر بين صفوف المعارضة ويهدد بتراجع الفكر العلماني عن الساحة السياسية التركية ويعد أيضاً حزب الحركة الوطنية المؤيد في كافة الحركات القومية الطورانية التي تتخذ شعار تركيا للأتراك برنامجه السياسي على حسم الحركات التمردية للأكراد وتركيز الاهتمام بالثقافة والتراث التركي وتنشيط الاقتصاد والتجارة الخارجية ويتوقع رئيسه البروفسور (دولت بهاجالي) نجاحاً ملحوظاً لمرشحي حزبه في كافة المحافظات التركية وقد حاز على ثمانين مقعداً في الانتخابات السابقة.. ويبشر رئيس الوزراء أردوغان أنصاره بفوز ساحق (كعادته) في آخر انتخابات إلا أن وسائل الإعلام المحلية يشكك محللوها بحصول حزب أردوغان على الأغلبية المطلقة لظهور أحزاب قوية جديدة علاوة على الاستعداد المكثف لأحزاب المعارضة ويعتمد مدى التأييد الشعبي للرئيس أردوغان على نتائج محاكمة القادة العسكريين والاعتذار الرسمي لإسرائيل عن قتلى سفينة الحرية وإخماد أعمال الشغب في الجامعات التركية واستمرار حالة الاستقرار السياسي وتنشيط الاستثمار الاقتصادي بوضع حجر الأساس لأول مفاعل نووي للاستخدام السلمي ثم التوقيع على إنشاء وتعاون ياباني روسي.. الستة أشهر القادمة تشكل مرحلة هامة في المستقبل السياسي والديمقراطي في تركيا!