كانت جدّتي تقطع الطريق الطويل من قريتنا شمال بريدة إلى بريدة كل صباح كي تبيع وتشتري في سوق الجردة، وتقضي في الطريق ساعة ونصف ذهاباً، ومثلها في العودة، وكانت أمي تقطع الطريق من حينا (عليشة) إلى حي الشميسي حيث تسكن خالتي، فكانت تقضي نصف ساعة ذهاباً ومثلها في العودة، وقد تذهب وتعود مرتين يومياً، أما زوجتي فلا يمكنها الذهاب من باب البيت إلى باب جارتها في ظرف ثانية ونصف فقط، فهل الزمان تغيّر إلى هذا الحد؟ ولم يعد ثمّة أمان في ذهاب المرأة ومشيها في الشارع؟ أم أننا أصبحنا مأزومين إلى درجة القلق؟ وبعيداً عن حالة الأمان والقلق؟ عاشت جداتنا وأمهاتنا بحالة صحية جيدة، بعيدة عن أمراض العصر المزمنة، بينما نصف نساء مجتمعنا أصبحنَ يعانين من أمراض السكّر والضغط والسمنة، فلم تعد مدننا العصرية مناسبة للمشي كما هو شأن عواصم العالم، ولم يتم تعميم الرياضة النسائية في المدارس والأندية الرياضية النسائية، بل إن هناك من يحارب إدخال مادة التربية الرياضية في مدارس البنات، لنجد نسبة كبيرة ممن يعانين من السمنة الزائدة أو حتى السمنة المفرطة، كل ذلك يحدث بسبب تعنّت ضد مادة دراسية مهمة تصنع الجسد السليم، وهو أمر متوقّع من مجتمع كان قد رفض مادة الجغرافيا ومادة العلوم، لأنها مواد يدرسها النصارى وهي ليست من العلم الشرعي في شيء! المدهش أن أحد أقاربي حين كنّا نناقش موضوع التربية الرياضية لدى الطالبات، وهو ممن لا يمكن حسابه في خانة المتشدّدين، قال لي ببساطة أو ربما سذاجة، إن هذه مؤامرة يحيكها الغرب ضد مجتمعاتنا الإسلامية، فهم يريدون كشف عورات النساء، وأضاف بعد أن أقنعته أن الأمر له علاقة بصحة المرأة، بأن هذا تبرير مبدئي، لكنهم يريدون أن ننشئ منتخب كرة قدم للسيدات، ومنتخبات لمختلف الألعاب، وإننا خطوة فخطوة، سننفذ أجندتهم! يا ساتر! تعوّذ من الشيطان يا رجل! قلت له بحسرة.
لم يزل هنا، من يعيش بيننا، وفي ذهنه أن الغرب يحيك مؤامرة كي يسقط العالم الإسلامي، ويدمّر مجتمعاتنا، وكأن مجتمعاتنا تقود العالم اقتصادياً واجتماعياً وتكنولوجياً، وكأننا في العالم الإسلامي لا نشكّل ما يقارب 80 % من مجتمعات دول العالم الثالث المتخلّف! بل وكأن الغرب قد أوقف كل منجزاته ومخترعاته ودأبه في التقدّم على كل المستويات كي يفكّر بنا نحن (الغلابا)، لأننا سنسحب من تحته بساط التقدم والابتكارات ومعدلات دخل أفراده السنوية العالية! ماذا يحدث لنا بربكم؟ فالجدات قبل ثمانين عاماً وأكثر كنَّ يمارسن الرياضة بشكل تلقائي فطري، ولا يتعرّضن للملاحقة والحجر عليهن، كنَّ يمارسن البيع والشراء دون أن تلاحقهن الفتاوى من هنا وهناك، بينما نحن تركنا كل شيء وتفرّغنا لمراقبة النساء أينما رحن وأينما حللن، وكأنهن الآن اختلفن عمّا قبل، وكأننا اختلفنا نحن عمّا قبل، فلم نتقدّم خطوة واحدة للأمام، بل تراجعنا ألف ألف خطوة للخلف!