لا أحبذ غالباً الخوض في المواضيع التي تناقش أو تحاول أن تشكك بمبدأ الانتماء الوطني بين أبناء هذا الوطن، لولا أنني أجد أحياناً باعثاً مُلحاً لذلك، كما وجدته في الكاريكاتير المنشور في هذه الجريدة في (صفحة الرأي) للعدد (13955) تحت عنوان (العنصرية القبلية) وهذا الكاريكاتير لمن لم يطلع عليه هو عبارة عن صورة لشخص كتب عليه (الوطن) وتم تقسيمه إلى أجزاء بخطوط (متقطعة) يسير عليها (المقص) لفصل جسد الشخص عن بعضه البعض ك(تعبير) على أن القبلية تقسم الوطن أو تجزئه إلى فئات تحت رداء العنصرية القبلية، طبعاً أنا هنا لا أشكك بوجود هذه العنصرية وتبعاتها، ولكنني أرى أن نقاشاتنا وحواراتنا وحتى كتابتانا دائما ما تضع (القبلية) في فوهة المدفع عندما تتطرق للعنصرية، وتتناسى أو تتغافل - للأسف - عن وجه آخر لهذه القضية وهي (المناطقية) والتي لا يمكن أن يغفلها أو يتغافل عنها مُنصف بأن المناطقية تسير في نفس السياق مع القبلية في بلورة هذه القضية. فإذا كانت القبلية تُجزئ الانتماء - كما نعتقد - فإن المناطقية تُجزئ الأرض والانتماء والمعطيات الوطنية، عندما تتقوقع منطقة ما على ذاتها وتعمل كل إراداتها من أجل المنطقة ولاء وانتماء، وتمارس كل مبادئ ومجالات الأثرة لنفسها على حساب غيرها، بل إننا نجد أحيانا المنطقة ذاتها تتجافى عاصمتها مع محافظاتها ومراكزها وهجرها، فالمنطقة التي تريد أن تكون كل مشاريع الدولة منصبة عليها، والتي تمن بولائها لوطنها هي أخطر بلاشك من القبلية، ففي الوقت الذي تسعى فيه القيادة الرشيدة بكل السبل لأن يتماهى الكل في هذا الوطن في نسيج واحد، نجد ثمة من يؤجج القبلية أو المناطقية، وهذا عامل لا يفعله إلا الجهلاء والناقصين وضعاف النفوس، فالوطن - من أقصاه إلى أقصاه وبفضل من الله - سبحانه وتعالى - ثم بفضل حكمة وحنكة قيادته لا يرضى بمثل هذه الأساليب، حيث إن من سياسيات الدولة منذ بداية تأسيسها على يد الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود - رحمه الله - والانتماء الأوحد في هذا الكيان هو للدين ثم للوطن، وانطلاقاً من ذلك فقد كانت النهضة فيه شاملة ومحققة لأهدافها، ففي عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - حفظه الله - اكتمل عقد هذه النهضة الميمونة ووصلت يد التطوير لكل مناطق المملكة عبر مشاريع جبارة أرسيت قواعدها في كل منطقة بما فيها من مدن ومحافظات ومراكز وهجر، وبهذا لن تكون هناك منطقة تستأثر بحث غيرها في عرف ملك نذر على نفسه بأن تعم مخصصات الدولة الكل وينعم ويرغد بها المواطن حتى في السهل والجبل وبالتالي لن يكون للصوت (النشاز) سواء كان قبلياً أو مناطقياً بأن يجزئ الولاء والانتماء أو المكان وعطاءات الدولة الخيرة والمباركة، فالولاء في هذا الوطن يأبى إلا أن يكون للدين ثم للمليك والوطن، فحفظ الله وطننا الغالي، وطن المقدسات، ووطن الخير والعطاء والنماء من كل مكروه، ومن كل عمل أو صوت (ناعق ونشاز) داعياً للفرقة والشتات.
محمد بن سند الفهيدي
aifohidy1@hotmail.com