تقول إحدى الروايات الشعبية المحلية إن أحدهم دخل سوق إحدى البلدات لأول مرة من أجل التسوق، وقبل أن تتم جولته في هذا السوق ألصق به الحضور لقباً لم يرق له؛ فما كان منه إلا أن ذهب إلى أمير هذه البلدة مشتكياً من سوء استقبال أهل بلدته؛ فما كان من أمير هذه القرية إلا أن قابل هذه الشكوى متحسراً بأنه نفسه لم يسلم من وصمهم له بلقب لا يروق له، وأنهم لا ينادونه إلا بهذا اللقب!!
وقبل هذه الحادثة بقرون أخطأ الطالب صالح في قراءة كلمة (خرزة) فحولها إلى (جزرة)، وهو في مجلس العلم والتدريس، فأصبح لقبه فيما بعد صالح جزرة!
والمتأمل في كتب تاريخ الحديث النبوي وتاريخ رجاله يجد أن صالح جزرة هذا أصبح عالماً له حضور كبير في تاريخ الحديث، لكن لم يشفع له ذلك بأن يسقط عنه هذا اللقب الذي يُذكّره بغلطته التاريخية.
ومثل هذه القصة حدثت كثيراً في تاريخنا، حتى أن أحد العلماء في تلك الفترة ألّف كتباً كثيرة تحدد أسماء أصحاب هذه الألقاب الحقيقيين؛ لكي لا تُطلق على غيرهم، فألّف ابن الجوزي في أواخر القرن السادس الهجري كتاباً بعنوان «كشف النقاب عن الأسماء والألقاب»، وقد سبقه صدور أكثر من كتاب كلها عن الألقاب لتوضيح المقصود بها ومن يكون صاحب هذا اللقب أو ذاك، وفي أحيان أخرى تبيّن سبب إطلاق هذه الألقاب. وفي القرن التاسع الهجري ألّف ابن حجر العسقلاني كتاباً بعنوان «نزهة الألباب في الألقاب»، وهو يدور في هذا المعنى والتوجه.
والمتأمل في أسماء بعض الأسر والعوائل في وطننا الغالي يجد أن الكثير منها ألقابٌ كانت تُطلق أحياناً بدافع النقد أو بدافع الثناء، ثم أصبحت فيما بعد ألقاباً تقليدية أو أسماء لهذه الأسرة أو تلك، ولا يُفهم منه القدح أو المدح أحياناً، بل قد يكون هو مجر تمييز لهذه الأسرة عن غيرها.
وفي هذه الصفحة أتذكر أننا نشرنا مقالاً للأستاذ أحمد الدامغ - أمده الله بالصحة - عن رجل حين يذكر أمامه إنسان بعمل طيب، فكان يقول «بيض الله وجهه»، فأصبح لقب هذا الرجل وأسرته وذريته (المبيض)؛ لكثر ما كان يقول جدهم هذه العبارة اللطيفة. وأمر آخر لفت نظري أن أسرة الضيط الكريمة تكرر عندهم اسم (مارق)؛ ما جعلني أسأل الشيخ بدر الضيط، الذي حلّ علينا في الوراق كاتباً أو ضيفاً ليجيب عن الأسئلة؛ فكان جوابه بأن (مارق) في المصطلح البدوي هو الذي يتقدم الناس أو الذي يمر أو (يمرق) بشجاعة بين الصفوف في المعركة؛ فوجد هذا الاسم بينهم، مع أن ظاهر الاسم للوهلة الأولى قد لا يجد قبولاً عند قارئه أو سامعه. ولأخي العزيز الأستاذ محمد بن عبد الله آل رشيد كتاب مستقل في مراحله الأخيرة عن معاني أسماء الأسر والعوائل، خرج فيه بنتائج كثيرة ومعلومات غزيرة، وأدعو الله لأخي محمد بن رشيد بأن يرى عمله النور في القريب العاجل.
ومع يقيني بأنه بذل جهداً كبيراً فإني أجزم بأن هذا الموضوع، وهو معاني الأسماء للأسر والعائل في وطننا الغالي، يحتاج إلى أكثر من كتاب لخدمته؛ حيث إن هذا الموضوع لا يُعدّ من الترف الفكري بل هو موضوع أصيل يخدم كل مهتم بتاريخ أُسَر هذا الوطن وما قدمته في خدمة دينها ووطنها، ولتمييز الأسر بعضها عن بعض.
للتواصل: فاكس: 2333738 -