فرق كبير بين ممارسة العمل أياً كان على أنه من الدين، وجزء من السلوك التعبدي الذي يتقرب به الإنسان لربه، فرق بين هذا وبين التعاطي معه ومقارفته على أنه عادة أو رياضة أو من باب المجاملة أو خوفاً من المجتمع وخشية من الوقوع في دائرة العيب الاجتماعي.
ومبنى السلوك القلبي «العقدي» والقولي والعملي «التعبدي» عند أهل السنة والجماعة النص الصريح والذي جزماً لا يتعارض من العقل الصحيح، والعلاقة بين العبد «المكلف» والرب «المشرع» علاقة مباشرة لا واسطة فيها ولا كهنوت، والأحكام الشرعية لا ترتبط بالأشخاص ولا تقوم على التقديس والإطراء حتى ولو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا تطروني كما أطرت النصارى ابنَ مريم، إنّما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله» ولذا فكل منا يمكن له أن يكون إماماً للصلاة التي هي عمود الإسلام مع أخذ معادلة المفاضلة حين يمكن المفاضلة بين الموجودين حسب ما جاء في الحديث. خلاف هذا ترتكز العقيدة التي هي أس الإسلام ومبنى العبادة عند بعض فرق الشيعة المغالية على الأشخاص الذين يمنحون صفة التقديس المطلق والعصمة التي لا حد لها وادعاء علم الغيب والاصطفاء حتى يوم الدين، ولعل من المظاهر التي يتوقف العاقل عندها ويحزنه أن تدخل في صلب عقيدة قوم هم في الأساس يتسمون باسم الإسلام ويمكن لهم أن يسوقوا أنفسهم أمام الآخر على أنهم هم من يمثل هذا الدين ويدعوا له، أقول من هذه المظاهر ما أحدثته هذه الفرقة من جعل يوم عاشوراء يوم حزن ونوح وبكاء بسبب مقتل الحسين رضي الله عنه في هذا اليوم سنة واحد وستين للهجرة.
لقد اتخذت الدولة الفاطمية المعروفة من هذا الحدث المحزن عند الجميع أساساً لتدعيم كيانها السياسي ووجودها الشرعي فبذلت اهتماماً كبيراً بيوم مقتل الحسين، وفعلت كل ما في وسعها من أجل إظهار لواعج الأسف وأشعار الحزن، وقامت باستحداث ما يسمى «بمأتم عاشوراء»، وكان أول مأتم على الحسين رضي الله عنه أقيم سنة اثنين وخمسين وثلاثمائة للهجرة في بغداد ولأهداف سياسية بحتة وهذا ربما يكون من أقوى محطات التوظيف السياسي للدين في تاريخ الإسلام القديم!!.
يذكر المؤرخون أن معز الدولة أحمد بن بويه ألزم الناس في عاشوراء بغلق الأسواق ومنع الطباخين من الطبخ، ونصب القباب في الشوارع والممرات وعلق عليها المسوح وأخرج النساء منشورات الشعور يقمن المأتم على الحسين رضي الله عنه، وكان وما زال يحدث في هذا المأتم قتل ونهب وتخريب وزنا، ومن بغداد انتقلت هذه البدعة إلى مصر وفارس والهند وزنجبار حتى عمت العالم اليوم وللأسف الشديد، وأصبحت تقام في عاشوراء حلقات للرثاء في المساجد والطرقات والمنازل ويستمع الناس إلى متكلم بليغ يقص مأساة الحسين كما يراها الشيعة وينشد المراثي بصوت مؤثر حزين، وفي كل وقفة من وقفات رثائه ينهال المستمعون على صدورهم وظهورهم ضرباً مبرحاً بقبضات الأيدي وقطع الحديد والسلاسل والسكاكين وأحيانا السيوف، ويعتقد هؤلاء أن هذا من الدين، ولذا هم يحسبون لعاشوراء حسابه ويستعدون له قبل حلوله بوقت طويل بالأشعار والمراثي والتمثيل والخطب والتهاويل!. إن كل مسلم صادق يحزن لقتل الحسين رضي الله عنه إذ هو من سادات المسلمين وعلماء الصحابة وابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد كان عابداً، شجاعاً، سخياً،... ولكن لا يحسن نقلاً ولا عقلاً أن يجعل يوم استشهاده مأتماً لإظهار الجزع والحزن.
لقد كان أبوه أفضل منه وقد قتل يوم الجمعة وهو خارج لصلاة الفجر، وكان عثمان بن عفان زوج بنتي رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل منه وقد قتل في داره وهو يقرأ القرآن، ومن قبله عمر بن الخطاب رضي الله عنه قتل وهو قائم يصلي في المحراب صلا الفجر، وسيد الشهداء حمزة قتل، بل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم سيد ولد آدم في الدنيا والآخرة قبضه الله إليه كما مات الأنبياء من قبله ولم يتخذ يوم موت أحدهم مأتما.
رحم الله الحسين بن علي ورضي الله عنهما الذي قال لأخته: (إذا قتلت بسيف أهل الظلم ورحلت من هذه الدار فلا تشقي الجيب ولا تخمشي الوجه ولا تخذبي الشعر ولا تبكي)، وإلى لقاء والسلام.