أشار كثير من المهتمين بالشأن الثقافي إلى أن (التعثر) الذي واكب نشوء (الجمعيات الفنية الخمس): جمعية المسرحيين السعوديين، وجمعية الفن التشكيلي، وجمعية التصوير الضوئي، وجمعية الخط العربي، وجمعية الكاريكاتير التي أطلقتها وزارة الثقافة والإعلام خلال السنتنين الماضيتين يعود إلى افتقار العاملين إلى بها روح العمل الجماعي، مشيرين إلى أن ذلك ممارسة جديدة لم يتعودوا عليها، وأكدوا أن الزمن كفيل بحلها.
في تقديري أن ذلك ليس كل المشكلة، وإنما المشكلة الجوهرية تكمن في أن القيم المدنية لم تتشكل في المجتمع بصورة يكون لها ذلك الحضور الذي يجعل من هذه المؤسسات تنشأ في ترتبتها الأصلية، ذلك أن المؤسسات المدنية (ثيمة) مدنية لا تترعرع إلا في مجتمع مدني، وتتعثر حينما توضع هذه (الثيمة) في مجتمع تقليدي.
وعندما نريد أن نشخص المشكلة من العمق لا بد أن نعود إلى نظرية المفكر علي الوردي حول موضوع (الإنتاج والاستحواذ)، فنشير إلى أن عقلية الإنسان المدني تهتم بالإنتاج، في حين أن عقلية الإنسان في المجتمع التقلديدي تهتم (بالاستحواذ)، فعندما يقفز التقليديون على المؤسسات المدنية يحيلون كل ما فيها إليهم، ويسعون على أن (يستحوذوا) على كل ما فيها لصالحهم، متجاهلين مفهوم (الإنتاج) الذي يفترض أن يصل للأعضاء والمشتركين وأنهم ليسوا سوى موظفين يخدمون الفئة المستهدفة من (الجمعية) وليس الرئيس ومن حوله.
الإشكال الآخر، أن التقليدي لا يقول عن نفسه ذلك, وإنما سلوكه هو الذي يفصح عن ذلك, وهو يمارس (تقليديته) بصورة لا شعورية، ويرى أنه في الطريق الصحيح، ولكن معيار (الصح والخطأ) ليس فيما يعتقده العاملون في الجمعية أياً كانت تقليديتهم ومدنيتهم، بقدر ما هو في النتائج المترتبة على وجودهم، فكل النتائج التي نراها اليوم في الجمعيات الفنية لا تنبئ عن تفاؤلنا يوم أعلن عنها لأول مرة، ولكن الزمن كشف كثير من المشكلات الداخلية التي حدت من تقدم العمل في هذه الجمعيات وأصبحت خلافاتهم مادة تتسلى بها الصحف ومواقع الإنترنت.
نحن لا نحمل وزارة الثقافة والإعلام وزر القرار, ولا نحملها مستوى الدعم, لأن دورها انتهى باتخاذ القرار, ويبقى على العاملين في الجمعيات الخمس (ترتيب) أوراقهم بالشكل الذي يخدم مجتمعهم المعرفي الصغير ليكبر عبر الزمن بصورة مطردة، وأن يسعوا إلى تنمية مواردهم المالية ويؤسسوا لأنظمة وقوانين تخدم الجميع بدون استثناء.
أما (التصويت والانتخاب) على ترشيح مجلس الإدارة, فليس سوى (تدريبات) أولية على مفهوم الديموقراطية,، وهي مرحلة تدريبية مهمة لا غنى لنا عنها إذا ما أردنا أن نبلغ الديموقراطية الحقة بعيداً عن التحزبات التقليدية، وليس ما يمنع أن (نتعلم) شيئا من إدارة ذواتنا إذا ما عرفنا أن ذلك مفهوم جديد علينا لا نملك فيه أي تراكم معرفي من قبل, فلا (مكابرة في ذلك ولا غرور).
فنحن لن نتطور إلا بعد أن نعلم أننا لا نعلم في قضايانا الجديدة، ثم نحث الخطا لأن نعلم، وتلك هي الفلسفة حسب رأي النريوجي جوستاين جاردر في روايته (عالم الفتاة صوفي).