لا يعرف تاريخ الأدب العربي رجلا أفرغ الله وجوده في وجود الشعر العربي كامرئ القيس بن حجر الشاعر الضليل، عظيم شعراء العربية، سبق إلى أشياء ابتدعها فاتبعه شعراء العربية عليها واقتدوا به فيها.
قال ابن عساكر: أنه ذكر امرؤ القيس للنبي صلى اللّه عليه وسلم فقال: ذلك رجل مذكور في الدنيا منسي في الآخرة يجيء يوم القيامة معه لواء الشعراء يقودهم إلى النار. قال أبو عبيد: سبق امرؤ القيس العرب إلى أشياء ابتدعها فاستحسنوها، وتبعهم فيها الشعراء، منها استباق صحبه، والبكاء على الديار، ورقة التشبيب وقرب المآخذ، وتشبيه النساء بالظباء البيض، والخيل بالعقبان والعصي، وقيد الأوابد، وأجاد في التشبيه وفصل بين التشبيب والمعنى.
إن امرأ هو الشاعر الذي سرى دم شعره في شرايين الإبداع العربي منذ جيله قبل ستة عشر قرنا إلى جيلنا الراهن.
إن امرأ القيس حاضر في الإبداع الشعري العربي خلال المسيرة الطويلة للشعر العربي، فهو الشاعر الذي لم يغب عن الإبداع رغم التحولات الكثيرة والكبيرة التي تعرضت لها الشعرية العربية، إنه الشاعر الوحيد الذي ظلت فصيلته ممتزجة في دماء الشعراء حتى إن شاعرا حداثيا، وهو الشاعر العراقي «سعدي يوسف»، يختار لديوان شعره اسم «حفيد امرئ القيس» وشاعرا شابا، هو الشاعر حسن الصلهبي، يسمي شعره «بين يدي امرئ القيس». إنه كما قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - بدع عين الشعر، وأخذ الشعراء يمتحون بدلائهم من مائها، حيث يتعاور الشعراء معانيه ومعجمه وصوره منذ فرغ من إبداعها إلى يوم الناس هذا، مادة لم تهن أو تضعف أو تخلق مع الزمن.
لقد كان امرؤ القيس إمام الشعراء، فتح لهم أبواب الإبداع.
من هذا المنطلق ولهذه الأهمية خصص نادي القصيم الأدبي ملتقاه السادس للحديث عن مملكة كندة التي انتجت هذا الشاعر العظيم، وعن شخصية امرئ القيس وشاعريته، وعن تجلياته في الأدب الحديث بأجناسه المختلفة.
ثلاثون بحثا أعدها ثلاثون باحثا، تحاول كل مقاربة أن تدخل إلى عالم امرئ القيس الشعري من مدخل مختلف لتذوق هذا الشعر، واستكناه بعض أسرار تجربته الإبداعية، معتمدين على آليات نقدية قديمة وحديثة للكشف عن جماليات شعره والتقاط بعض إشاراته ومغرياته.
وإن هذا الكم الكبير من الأوراق التي قدمت لجلسات الملتقى، وتلك التي نشرتها مجلة «أبعاد» في عددها المخصص في لهذا الملتقى، وتلك الأوراق التي وصلتنا من خارج المملكة والتي لم يكتب لأصحابه المشاركة المباشرة في الملتقى، إن كل هذا الاهتمام يدل على ما ينطوي عليه شعر امرئ القيس من فتنة وجاذبية أغرت الباحثين وأوقعتهم في أسر هذه التجربة الشعرية المتميزة.
وهذا الاحتفاء ليس تقديرا لشاعرية امرئ القيس فحسب، لكنه احتفاء بالشعر الأصيل والإبداع المتميز.
إن امرأ القيس لتميز شاعريته وقدم عهده هو الشاعر الوحيد الذي تشتعل شاعريته في مجرى حياة الشعرية العربية إلى يوم الناس هذا.
* نائب رئيس نادي القصيم الأدبي