كانت قوافل التجار في العصور الغابرة تُفاجئ المدن والقرى التي تزورها وهي مُحملة بالبضائع، وعندما تدخل القافلة إلى السوق تطرح البضاعة للمزايدة العلنية من قبل تجار الجملة، الذين يخزنونها في محلاتهم ويبيعونها على المستهلكين. ويحدث أحياناً أن ينتهز تاجر حريص فرصة عدم حظر التعامل بناءً على معلومات داخلية فيتلقى الركب قبل دخولهم البلدة، ويعرض عليهم ثمناً يوهمهم أنه عادل وهو يعلم أنه أقل من الأسعار السائدة في سوق البلد.
وبعد أن يظفر بالصفقة يقود الإبل نحو محلاته ويبيع البضاعة بسعر مرتفع محققاً ربحاً كبيراً ناتجاً عن تعامله بمعلومات لم تكن مُتاحة لأصحاب القافلة مما يحرمهم من مكاسب يُفترض أن تكون حافزاً لهم على جلب المزيد من البضائع، ويحرم كذلك التجار الآخرين في البلدة من فرصة التنافس على تلك الصفقة مما قد يُبعدهم فيتحكم بالبضائع عدد أقل من التجار، ويحرم أيضاً المستهلكين من انخفاض السعر. لهذه الأسباب حرمت الشريعة الإسلامية تلقي الركبان.
ويُمكن القول أيضاً إن أسباباً مماثلة أدت إلى إصدار قوانين تجريم تعامل مسؤولي الشركات المُدرجة بالتعامل في أسهمها بناءً على معلومات سلبية أو إيجابية عن أحوال الشركة يعرفونها بسبب عملهم دون باقي المستثمرين.
فقد ثبت أن مثل هذه التعاملات تُضعف جاذبية الاستثمار في الأسواق المالية وتُخفض بالتالي النمو الاقتصادي، إضافة إلى أنها تعد من قبيل خيانة الأمانة.
وأول الدول إقراراً لقوانين تجريمها الولايات المتحدة في بداية القرن العشرين تقريباً.
وفي ذلك الوقت احتار القضاة في تكييفها أو تسويغ تجريمها، وأخيراً صنفوها ضمن جرائم الاحتيال. ولو كان منع تلقي الركبان معروفاً في نظامهم القانوني لاختاروه بدلاً من مبدأ منع الاحتيال.
الغريب أن هذا التجريم لقي في بدايته مُعارضة من عدد من الاقتصاديين والقانونيين من أشهرهم ميلتون فريدمان الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد، الذي يرى أن الإعلان عن تلك التعاملات يكفي لكي يأخذ الجمهور ذلك على أنه مؤشر إيجابي أو سلبي للشركة.
ولكن لم تجد هذه المعارضة قبولاً، بل ازداد زخم التجريم أُفقياً وعامودياً، وامتد من مجرد تجريم مسؤول الشركة المُتداول إلى الشخص الذي يحصل على المعلومة منه لعلاقة قرابة أو عمل، كما هو الشأن في المادة الخمسين من نظام السوق المالية السعودي، ثم تطور التجريم ليمتد إلى كل من يتعامل بناءً على معلومة داخلية بغض النظر عن مصدرها، وهو الأمر الذي تداركته لائحة سلوكيات السوق الصادرة من هيئة السوق المالية.