في كل عام وفي مثل هذه الأيام تعلن الميزانية العامة للدولة، وتحكي الأرقام المرتفعة - التي أقرها مجلس الوزراء الموقر - في جلسته التي عقدها برئاسة نائب خادم الحرمين الشريفين صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز آل سعود - حفظه الله- يوم الاثنين الماضي الرابع عشر من محرم 1432هـ الموافق للعشرين من شهر ديسمبر للعام، تحكي هذه الأرقام ولله الحمد والمنة واقعنا المتنامي باطراد، المتطور على الدوام، المتسع لخارطة الوطن بكل تضاريسها، الشامل لمناحي الحياة بجميع ضروبها، وإن كان التركيز بشكل واضح على البنية الأساسية ولبنات التنمية المستدامة الأهم في القاموس العالمي والمحلي «الصحة والتعليم سواء العالي منه أو العام والخدمات الاجتماعية والأمنية والطرق والمرافق العامة والمياه والصرف الصحي» وهذا هو الوضع الطبيعي والصحيح في نظر أهل الاختصاص، والمتماشي مع احتياجات الإنسان في هذا الزمن بالذات، ومع أن الكل استبشر وبارك ودعا لولاة الأمر وقادة بلادنا المعطاء المملكة العربية السعودية إلا أنه منذ لحظة الإعلان وحتى انتهاء السنة المالية يتطلع كل واحد منا أن يرى بأم عينيه نقلة نوعية شاملة ومتميزة سواء في المجال الصحي أو التعليمي أو الخدمي يجني ثمراتها وينال مكتسباتها على المستوى الشخصي وكذا الوظيفي والمجتمعي.
إن التأكيد الصريح والواضح من لدن قيادتنا الحكمية من وجوب الإخلاص والأمانة وسرعة الإنجاز والتنفيذ المتقن لجميع المشاريع تلقي على أصحاب الصلاحية معالي الوزراء المعنيين بصورة مباشرة عن ترسية المشاريع وإقرارها في قطاعاتهم التنموية المختلفة، تلقي عليهم جميعاً بلا استثناء مسئولية كاملة وعظيمة أمام الله أولاً ثم أمام ولي الأمر لتقديم ما في وسعهم خدمة للوطن والمواطن الذي هو في النهاية المعني بهذه الأرقام، ولعلنا جميعاً نذكر جيداً كلمات خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - شافاه الله وعافاه وأعاده بقدرته وقوته ورحمته وعزته إلى أرض الوطن سالماً معافى - حين قال: (أعاهدكم أن أتخذ القرآن دستوري والإسلام منهجي وأن يكون شغلي الشاغل إحقاق الحق وإرساء العدل وخدمة المواطنين كافة بلا تفرقة).
إن ما يحز في النفس ويبعث على الاستغراب ويثير علامات الاستفهام لدى المواطن العادي فضلاً عن الراصد والمتابع ضرب هذه الأرقام الفلكية وعدم وجود أثر يذكر على حياته الشخصية خصوصا الصحية، وعلى وجه الخصوص لمن يعيشون في مناطق الأطراف!!، ولذا باسم سكان هذه المناطق باستثناء من لهم قدرة الحصول على سرير في مستشفيات المملكة الكبرى الموجودة في العاصمة الرياض أو جدة أو المنطقة الشرقية، أو من لديهم حصانة ضد المرض، أو عندهم القدرة المالية والاجتماعية للسفر من أجل العلاج خارج الوطن أو في المستشفيات الخاصة اللي عليها الكلام، أقول باسم هؤلاء أبارك لمعالي وزير الصحة هذا الرقم في ميزانية 1432، 1433هـ، وأناشده بالتفاتة صادقة ونظرة حانية ترفع المعاناة عن المتضررين وتحقق ما يتطلع له ولي الأمر من خدمة صحية متقدمة وناجزة في جميع مناطق المملكة.
لقد سبق وأن كتبت في هذه الزاوية عن المعاناة التي تضرب بسياطها وتلقي بظلالها على أبناء الوطن في عدد من مناطق المملكة، وكتب غيري كثير وربما بلغة أكثر جزالة وأعمق دلالة وأقوى أسلوباً وأفصح تعبيراً، وكان من بين المقترحات التي وجدت صدى إيجابياً حينها أن يؤسس مستشفى متكاملاً ومتخصصاً في حائل لخدمة جميع المناطق الشمالية، وكذا في أبها لتلبية سكان الجنوب ضمن إستراتيجية طبية طويلة المدى تحقق بإذن الله الأمن الصحي المنشود للمواطن والمقيم.
أعرف حرص صاحب المعالي وزير الصحة الموقر وكذا وزير المالية المبجل على تلبية احتياجات المواطنين في مناطق المملكة جميعها ولكنني أحببت التذكير ونحن في الأيام الأولى من أيام العام المالي الجديد لعلها تكون تذكرة نافعة أنال بها الأجر ويتحقق من ورائها النفع وتكون من محفزات الهمة لدى أصحاب القرار. شكر الله لقادتنا ولأصحاب المعالي جهودهم وبارك في خطواتهم وسدد قراراتهم وأدام عزهم وحفظهم ورعاهم ووقاهم كل سوء، وإلى لقاء والسلام.