سأبدأ بعرض قصص موجزة جداً لعلي أستطيع معها تقريب المعنى والهدف المراد من هذه الأسطر: فقد وفق أحد الشباب لاختيار فتاة هي حلم أي شاب يرغب الزواج والاستقرار، كانت نعم الزوجة ورفيقة الدرب ملأت حياته بالود الصافي وأيامه بالفرح والمرح، حملت منه جنيناً في جوفها كان هو مدار أحلامهم وحديثهم وهو المجدد لعشقهم لبعض، حتى إذا ما قاربوا إكمال سنة على زواجهم راودتهم فكرة إحياء تلك الليلة السعيدة بما يليق بها من تجديد للاحتفالية، كانت الليلة المتمة لسنة زواجهم خاضعة كغيرها لقدر الله سبحانه ولا مفر من ذلك، كانوا قد اختاروا مكاناً للاحتفال وإمضاء ليلة من السعادة المتجددة، وهم في الطريق إلى المكان حدث لهم حادث لم يكونا سبباً فيه، توفيت الشابة الأم الحامل أمام عيني زوجها العاجز عن فعل أي شيء لسوء أوضاعه هو الآخر، في المستشفى يأتي من يعزيه ويلاطفه لكن من أولئك من يمعن في تكرار القول: لا تجزع فلعل في ذلك خيراً، وتخيلوا ردة الفعل عنده مع الإلحاح في ذلك من بعضهم.. القصة الأخرى: طفل دهسته سيارة عابرة أمام منزلهم، فيأتي أحد المعزين ويكثر في الكلام ويسهب في تلطيف الأمر مؤكداً أن في ذلك خيراً بإذن الله، ويلتفت إلى والد الطفل يسأله: أليس كذلك يا بني؟ فيرد والده الذي ارتفع ضغط دمه من كثرة كلام الرجل في ذاك الموقف مع إيمانه بقضاء الله وقدره: يا عمي الخير لو أن ابني يلعب الآن مع الأطفال !! موقف ثالث: حين كان فتيان من طلاب الجامعة في رحلة برية في منتصف العام الدراسي وذات ليلة عاصفة شديدة البرد، والمطر يهطل على فترات وبزخات شديدة، وكان مجموعة من الشباب قد تطوعوا لصنع وجبة العشاء واختاروا أن تكون كبسة الرز بالدجاج مع شيء من الفلفل الحار مراعاة لحالة الطقس، وعلى حد وصفهم فإن أي إنسان قد يعجز تلك الليلة عن صنع أي شيء في تلك الخيمة التي تتلاعب بها الرياح ويغمرها المطر في درجة حرارة متدنية جداً، وحين إتمام إعداد الطعام وكان المطبخ على هيئة خيمة صغيرة مقابلة لخيمة الجلوس وكان أحد الشباب يحمل الطعام ليقدمه للأصحاب فإذا به يتعثر بشيء ما بين الخيمتين ويختلط الرز واللحم بالرمل والمطر، وباتوا ليلتهم بين ضاحك من الموقف وبين من يردد (لعله خير) فيقول أحد الظرفاء:- (الخير لو أن رزنا في بطوننا) !!
فبين الجد والهزل أحيانا يكون فاصل رقيق أو خيط رفيع، يمكن معه تحويل الموقف الجاد أو المحزن إلى موقف ساخر وضاحك، وتهوين الأمور بأسلوب شيق ممتع يملؤه المرح، فالدنيا كما تحتاج لسويعات الجد تحتاج للترويح، غير أن ما قد أزعج الزوج المكلوم والأب الحزين هو دخول أحد المعزين واحتكاره الحديث والمجلس بإلقاء محاضرة عن الصبر والاحتساب وتهوين الأمور والتقليل من المصاب ونسيان مشاعر من يعيش الألم ويتجرع الصبر مع انه لا يقل احتساباً وإيمانا عن غيره، فالقلب يجزع والعين تدمع مهما حاولنا كتم المشاعر، لكن الأهم هو أن يعرف الزائر أو المعزي حجم المصيبة التي يعيشها الآخر، وأن يدرك أن هذا الآخر -بعون الله- من المؤمنين الصابرين، وأخيراً لابد أن يتعلم أن لكل مقام مقال يناسبه، فمجلس العزاء وزيارة المريض لها آدابها وحديثها المناسب.