أن تحتكر شركتان أو ثلاث من شركات المقاولات، وجميعها شركات خاصة، كل مشاريع المملكة الإنشائية الكبيرة، ويتحول بقية المقاولين السعوديين إلى ما يشبه (المتسولين) عند أبواب هذه الشركات الثلاث؛ عسى ولعل أن يجود عليهم هذا المقاول، أو بالأحرى (مديره الأجنبي)، بعقد من الباطن، أمرٌ لا يُرضي خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله الذي يشجع الجميع على المشاركة والإسهام في بناء الوطن.
يحكي لي أحد المقاولين السعوديين قصته مع إحدى هذه الشركات، وهي شركة سعودي أوجيه، عندما طرق أبوابهم (يتسول) عقداً من الباطن. هذه الشركة تقارب مشاريعها مع الدولة المائة مليار ريال، ولا أدري عن صحة هذا الرقم على وجه الدقة، ولكنني أعتقد أن الرقم في هذه الحدود، رغم أن ملاكها لا يتعدون أصابع اليد الواحدة. يقول صاحبنا: شركة سعودي أوجيه أصبحت إمبراطورية، مكاتبها في المملكة أكبر من معظم الوزارات، والذين يعملون في صناعة القرار فيها، وكبار المشرفين على مشاريعها (الحكومية)، معظمهم، إن لم يكونوا جميعهم، من جنسية عربية واحدة. يقول: تأتي فلا تجد السعوديين إلا (نواطير) على باب الشركة، أما مَنْ يتعاملون معك، ويتفاوضون، ويملكون قرار أن يمنحوك عقداً، أو (يقضبونك الباب) جميعهم دون استثناء من غير السعوديين، وعندما تسأل، أو تلح في متابعة مشروعك من الباطن، فأنت رجل مشاغب، والخلاص من المشاغبين (غنيمة).
وكنت قد كتبتُ، وكتب غيري، عن ضرورة تحويل هذه الشركة، وكذلك شركة ابن لادن، وأمثال هاتين الشركتين، إلى شركات مساهمة، مدرجة في سوق المال، يتداول أسهمها الجميع، بحيث تكون دفاترها وتعاقداتها وجميع معاملاتها المالية متاحة للجميع، ويتولى مسؤوليات إدارة عقود الباطن سعوديون لا أجانب، غير أن هذا المطلب (الإصلاحي) مرّ مرور الكرام، ولم يلتفت إليه أحد.
أن تتحول هذه الشركات إلى شركات مساهمة مدرجة في السوق، دفاترها مفتوحة للجميع، ومراقَبَة من مساهميها، سيحد بلا شك من وجهات النظر السلبية نحوها. ليس ذلك فحسب؛ وإنما سيحتل مستوى صناعة القرار فيها سعوديون، وستكون مجالاً جيداً لخلق قدرات إدارية (سعودية) مدربة، وقادرة على صناعة القرار الإداري والفني، أو بلغة أكثر شمولاً: صناعة التنمية.
كل ما أريد أن أقوله هنا أن الحل هو تحويل هذه الشركات إلى شركات مساهمة مدرجة في سوق المال، مع الاحتفاظ لهذه الشركات بحصتها المناسبة في رأس مال الشركات المقترحة. دون ذلك ستبقى هذه الشركات تكبر، وتتضخم، وتنمو بل و(ستحتكر) سوق المقاولات الضخمة في المملكة، وفي النتيجة سوف تتسع ظاهرة (تسول) المقاولين السعوديين للعقود من الباطن. ومثل هذا الاحتكار ستكون انعكاساته وخيمة على الاقتصاد (الوطني) بشكل لا ينسجم مع توجيهات خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين وسمو النائب الثاني، وجميعهم حريصون على مصلحة الوطن والمواطن، ومهتمون بمعالجة ما قد تظهر أهمية معالجته على النحو الذي يستجيب لتطلعاتهم في بناء دولة عصرية تلبي متطلبات المواطنين.
إلى اللقاء.