أحمل حفيدي، فيهتز قلب والده مع كل حركة أبديها وأنا ألاعبه...
وأرى ما يعتري ابني من خوف على ولده، فأزيد من حركات مداعبتي لحفيدي، ليزداد قلب أبيه رجفاً، ويتغير لونه خوفاً...
يعود بي الوقت إلى ذلك الزمان وأنا أحمل أباه، وأتذكر كيف كانت خفقات قلبي تقول عني كل شيء مع كل حركة يبديها، وكيف كانت روحي تحلق من فرط سعادتها في فضاء واسع تارة، وتضيق بها الدنيا تارة أخرى، بحسب ما يصدر منه من ضحكاته أو صرخاته، وكيف كنت ألاعبه كما أفعل مع ابنه الآن، وأحرص على أن أبقيه بقربي لأشعر وأنا أضمه إلى قلبي بكل الأمان..
أخاف عليه عندما يحمله أبي، وأخشى عليه وأمي تفعل معه ما ترى أنه في صالحه.
فيحن قلبي على ولدي وأخاف عليه من خوفه على ولده، فأترك الصغير لأبيه وأمه..
وأدخل بعدها في حسابات مشاعري، أراجعها.. وأقيسها، والمثل القائل (ما أعز من الولد إلا ولد الولد) يطرق ذهني بقوة..
هذا الحفيد أحبه بلا شك، يملأ عالمي القفر بكل ما يُنبت واحاته، وينثر مشاعري لترقص على جنبات ضحكاته، فهو قطعة مني، لكن حبه فرع من حبي لأبيه، فالحب الأساس في قلبي الذي لا أتردد في قوله هو لأبيه قبله.
لا يغني عن حب الولد شيء، لا أب ولا أخ ولا حفيد يبقى الولد في قلب أبيه أصل كل حب، هكذا تقول لي مشاعري وأنا أقيسها..
وأتذكر أمي وأبي، أعرف الآن ما كنت أجهله، وأعرف ما كنت أعني لهما، ولمَ أضفيا حبهما على أبنائي، وصبرا على شقاوتهم وعلى كثرة حركتهم ومضايقاتهم، لأن الحب أصلا كان لأبيهم، ولحبهما له، أحبا ما يحب وتحملا لأجله ما تحملا.
رحم الله والديَّ، ووالدي جميع المسلمين، وجزاهم عنا بما هو أقدر به منا، عسى أن يفهم والد حفيدي وهو يحنو على ولده ما في قلبي وقلب أمه له... والله المستعان.