غادر الملك عبد الله مستشفى بريسبيتريان في أمريكا مبتسما ومحاطا بأبنائه والمسؤولين والأطباء والفريق المعالج، وهي صورة من صور الملك عبد الله الذي بدأها قبيل وبعد أن تسلَّم حكم هذه البلاد لحظة جولاته في الأسواق المركزية وفي زياراته الميدانية على المناطق، وحتى وهو يخطو خطوته الشهيرة إلى أفقر أحياء الرياض ويتجول في منازل الفقراء، ويعلن أن بلادنا ليست مغطاة بالذهب والرخام والنفط، هي مثل بلاد العالم في كل مدينة قاع فيه عتمة, وفي نهاية منازل الأغنياء هناك بيوت للفقراء... خرج على الناس محملا بالحزن والمسؤولية وابتسم ووعد بالتغيير وفعل. الملك عبد الله حتى في أحلك ساعات الحزن والمرض كان يبتسم ومحاطا دائماً بالمسؤولين والناس؛ هي إذن نفس الصورة الأولى التي أطل بها علينا عندما تسلم أمور دولتنا وكان وليا للعهد في جولاته الأولى في الأسواق والجامعات وساحات الاحتفال، حيث قدم لنا رسالة هي حب الناس؛ لذا أحبه شعبه حب الملك وحب الأب وحب الصديق وحب الداعم والفاعل للخير... الصورة التي يبثها التلفزيون السعودي تعكس شفافية الملك وحبه للآخرين للمساعدين والأطباء وفريق التمريض وإدارة المستشفى والمجتمع السعودي وشاشات وعدسات المحطات العالمية لتعطي الصورة الحقيقة والوضع الطبي في شفافية عالمية؛ لكي يضيف لنا درسا آخر، تلك الروح المرهفة التي تسمو عالميا على الجراح والأوجاع التي تبحر في دافئات حنين الآخرين... اعتمر الشماغ والعقال الرمز والتاريخ ليبقينا معلقين بالأرض ورمال جزيرة العرب وشطآن الخليج ونتوءات البحر الأحمر وسطوح شموس نجد ودفء أودية تهامة ونسائم جبال السروات.
قال لنا الملك عبد الله وهو ينسل من الأوجاع: هذه بلادكم هذه أرضكم وهؤلاء ناسكم، قال لنا وهو في طريقه من المستشفى إلى مقر إقامته في نيويورك لاستكمال العلاج قولا كبيرا وعظيما : الأرض والناس والديار السعودية الأرض المقدسة في مكة المكرمة والمدينة المنورة والجذور العربية أواسط هضاب نجد وقوافل التاريخ والرياض والحجاز والأحساء وشرقنا النابض وعسيرنا الماطر، وحدّنا الجنوبي العابق برائحة الأزهار وشمالنا المخضب بالرمال والجليد، قال لنا الملك عبد الله حكاية صامتة ونهر من الحنان الوطني منذ عمرت دولتنا بعروق الطين والحجارة الكلسية حتى أصبحت مدننا متقاربة مع العواصم العالمية بالعمران والاقتصاد والمال والمعرفة... أتمنى أن يحفظك الله لنا ولبلادنا ولهذا الجيل الذي تسمى بجيل عبد الله في الجامعات السعودية والجامعات الغربية وللجيل الذي يتطلع لبناء المدن الاقتصادية والصناعية.