تمر بالمرء أيام تكتنفها أحداث ربما لا يأبه بها كثيراً، إما لكونها لا تعنيه، أو لانشغاله في مكابدة الحياة وصروفها، لتظل علاقة المرء بما يدور حوله من أحداث علاقة مد وجزر، تحكمها الظروف المحيطة به، وتحكمها كذلك اهتمامات المرء ذاته ووجهته التي هو موليها، فيستبق معها الأخبار، إلا إن هناك أموراً وصروفاً يجد المرء معها نفسه أسير أحداثها، ورهينة لحظاتها، لما لها في نفسه من حاجة، ولما تشغل في ذهنه من حيز، لكونها تتعلق بحياته أو حياة أحبائه، فيصبح فارغ الفؤاد يود أن يبدي كل ما يعرف تجاه تلك الأحداث والصروف وما ذاك إلا بغية مشاطرة الآخرين رأيهم وأمرهم في ذلك.
وكحال كثير من الأكاديميين، ظلت علاقتي بالإعلام علاقة صداقة، أقف فيها موقف المتلقي أكثر من موقف المعطي، لانشغال المرء وانهماكه في قاعات التدريس والغوص في أعماق الكتب والمراجع والبحوث، ومن ثم بعد ذلك ما اكتنف المرء من تكاليف إدارية بالجامعة كعميد ثم كوكيل لها، جعلت ما يتاح للمرء من مساحة يعطي فيها من خلال نافذة الإعلام أمراً محدوداً، لاسيما والمرء قد كُفي بغيره في كثير من النوازل والأحداث. ولكن مامرّ بالأمة السعودية خلال شهر ذي الحجة المنصرم، قد أيقظ المشاعر الكامنة والأحاسيس الغائبة، فعاد القلب يهفو بمشاعر الشوق، وأضحت النفس مشغولة البال، كيف لا ومليك البلاد يتعرض لهذه الوعكة التي ألمت به، تحركت فيها كوامن الحب الكبير والولاء العظيم، الذي نبض بها الشارع السعودي، بكافة فئاته وأعماره، فطفق الصغير والكبير والذكر والأنثى، والعالم والعامي يخصفان بالأخبار ويتطلعان الركبان، لعل من ينبئ عن أخبار تشفي الصدر بسلامة والدهم وقائدهم، وجدت معها يدي تنسل لمدادي، ورأيت فيها كلماتي تسيل لأسطر دعوات الشفاء لخادم الحرمين الشريفين، ولأحبرّ كلمات الشوق لعودته سالماً غانماً لبلاده ولشعبه بعد أن يمن الله عليه بالشفاء الكامل بإذن الله.
ولعلي أجد قلمي سيالاً يأبى التوقف عن التحبير، قبل أن يزجي عبارات الإعجاب الصادقة لهذا الملك الإنسان، الذي استطاع بأريحيته أن يجبر الجميع على احترامه وحبه، وبعباراته التي تؤتي أكلها كل حين، تتلقاها الألسن بإعجاب كما هي عباراته - حفظه الله - التي أخبر بها شعبه عن ما يحس به من ألم، وما أخبره به الأطباء. تلك العبارات التي استوقفتني كما استوقفت الكثير، إذ حاكى بها شعبه بكل بساطة وأريحية عن أمر خاص به، لكنه يوقن أهميته لدى عامة الناس قبل خاصتهم، فاستطاع بذلك أن يجعل تلك العبارات، نقطة التقاء مشاعر الشعب تجاه مليكهم، وما يمر به من وعكة صحية. وإن أنسى فلا أنسى تلك العجوز الطاعنة في السن، وهي على فراش المرض تطلب من ابنها أن يكتب باسمها كلمات في الجريدة تود من خلالها أن تصل إلى خادم الحرمين الشريفين تؤكد فيها أن انشغالها بنفسها وما يمر فيها، لم يشغلها عن الاهتمام بصحته وسلامته حفظه الله، وتؤكد له فيها أنها لم تتوقف عن الدعاء له - حفظه الله - بأن يمن الله عليه بالشفاء، وهو ما تم لها بالفعل. فتلك الكلمات الصادقة والعبارات النبيلة التي لا يرجو منها أصحابها شيئا سوى التعبد بها لرب العالمين، نجد أن هذا الشعب استطاع أن يرسم أروع لوحات الولاء وأصدق صور الانتماء والتلاحم مع ملوكه، وما ذاك إلا لما لمسه هذا الشعب من عطف الأبوة وشفقة الإخلاص التي استودعها الله في قلوب أولئك الملوك منذ عهد المؤسس - طيب الله ثراه - توارثها أبناؤه البررة كابر عن كابر فلله در القائل:
وكيل جامعة القصيم