أحترم رأيك، عبارة لا أعرف من ألصقها بثقافتنا عند اختلاف الآراء وتضادها، وأرى أنها ممجوجة وغير دقيقة ولا يجب تداولها عند الحوار مع الغير. الأولون كانوا يقولون عندما يراجعون ما يقوله غيرهم من آراء وأفكار، (رأي معتبر، أو فيه نظر، أو ضعيف وغريب وشاذ وغيرها من العبارات التي توضح موقفهم منه).
وقبل أن تستعجل في إصدار حكمك على ما قلت، آمل أن تجاريني علّنا نصل معاً لاتفاق في هذه المسألة، فإبليس وهو يرفض أمر ربه بالسجود لآدم، لا يمكن أن نقول نحن أننا نحترم رأي إبليس، والله سبحانه وتعالى لم يكن ليعجزه أن يقهر إبليس فيسجد لآدم قسراً، لكنه لحكمة منه سبحانه أعطى إبليس حق الاختيار، كما أعطى لنا حق الاختيار في أن نؤمن أو نكفر - وإن كان الله سبحانه وتعالى لا يرضى لعباده الكفر - ومن هذا فالمسألة ذات بعدين: الأول حق الاختيار وهذا مكفول للجميع؛ فقد كفله الله وهو القاهر فوق عباده لإبليس ولكل الثقلين، والثاني طبيعة الاختيار أو جنس الاختيار، وهنا يجب التفريق بين الأمرين فنحترم حق الإنسان أو الغير في أن يختار ما يشاء، ونتوقف عند جنس الاختيار. إن وافق حقاً احترمناه وامتثلنا له وإن خالف حقاً رفضناه ورددناه، فإذا جعلنا الضابط للأمور ما شرعه الله، نقول إننا نحترم حق غيرنا في أن يختار ما يشاء {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ}، لكننا لا نحترم جنس ما اختاروا إن خالف ما شرعه الله في أي أمر وإن صغر.
هذا فقط لتبيان الفكرة إن أسقطناها على قناعاتنا نحن فكل إنسان له قناعته وله رأيه ولا يمكن أن تجمع الناس على رأي واحد إلا فيما ندر، فنقول هنا إننا نحترم حق الآخر في أن يتبنى ما شاء من آراء وأفكار على قياس لكم دينكم ولي دين، ولكننا لا نحترم جنس ما يراه من فكرة أو مبدأ إن خالف قناعاتنا، فلا نعمل بها ويمكن أن نعارضها بالطرق الحضارية المشروعة للتعبير عن عدم رضانا أو موافقتنا لرأيه.
أن تحترم رأياً، يعني كما أظن أن تتقبله ولا تعارضه، وتتفهم مبررات من ساقه، وإن كان هذا الرأي من أكثرية فلا بأس أن تأخذ به وتمارسه حتى وإن خالف قناعاتك، فالقوانين الموضوعة إنما تشكل على هذا الأساس، فتوافق رأي أغلبية الواقعين تحت تأثيرها فيحترمها المعارضون لها فيعملون بها حتى تسير دفة الأمور. فقد أرى أنا على سبيل المثال أن العمل في الصباح متعب ولا يوافق رغباتي، لكن الأكثرية غيري يرون عكس ذلك، فأحترم هذا الرأي وأعمل به وإن خالف ما أراه، والأكثرية تحترم حقي في أن أقول ما أراه دون أن تحترم جنس ما أراه فتعفي نفسها من العمل به.
وعلى هذا لا أجد حرجاً في أن أقول إنني لا أحترم رأي غيري إن خالف ما أراه، وإن كنت أحترم حقه في الاختلاف معي... والله المستعان.