(تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) صدق الله العظيم (سورة البقرة، الآية: 229).
الأمة الإسلامية على الأرض المباركة التي أوجدها الله العلي القدير خالق البشرية كلها قد آمنت بالله رب العالمية، وصدقت بنبوة سيد المرسلين وخاتم النبيين محمد عليه الصلاة والسلام وبرسالته السماوية وليتابعوا بإعجاب مسالكهم في الحياة وليتملوا من عناصر الينبوع فيها وبالنظر إزاء ما يعرض لها مشكلات وصعاب لأنها أصبحت دراسة عميقة أو بالتأكيد لها صلة إنسانية وثيقة بين المجتمع الإسلامية في القارات الخمس.
لقد كانت حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم مصدر الأسوة الحسنة التي يقتضيها، واضعا الشريعة الإسلامية التي يؤمن بها وعمل من أجلها ونشرها في بقاع الأرض.
فقال الله تعالى في كتابه القرآن العظيم: ?لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً?(سورة الأحزاب، الآية: 21).
إن القرآن الكريم الذي آمن به المسلمون في بقاع الأرض ويعملون بمضمون نصاً وروحاً إنما هو كلام الله العلي الحكيم، وهو أحكم الحاكمين، وهو ميسر للفهم والتفكير، وإن حقائق الشريعة الإسلامية خالدة مثالية، نصت عليها كتب التراث الإسلامي وقد أشرف عليها السلف الصالح من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضوان الله عليهم وهي متوافرة وموزعة بين خزائن المشرق والمغرب ومن السهل على كل عالم عربي، وكل مواطن مسلم وكل رجل قانون، ولكل من يرغب البحث عن حقيقة الإسلام الاطلاع عليها وتمحيصها.
فالإسلام جاء ليستل من القلوب أضغانها وأحقادها، ثم يملأها بعد ذلك حكمة ورحمة للإنسان المسلم وغير المسلم على هذه الأرض، فيعيش الناس في هناء وسعادة دون الإثارة والجدل بأمور وعقائد الشعوب ودون تساؤلات عديدة لأن هذه الكتب مليئة بالأجوبة المطروحة حاملة شق طريق الخير للإنسانية عامة وفتح باب الرحمة والاستجابة لأمر الله وهي تساعد على ما يطلبه الإنسان لأنها بلسمة لجراح الناس وتخفف من مظاهر الشر.
ولهذا فإن لواء العربية المسلمة وعبرها في الماضي البعيد والحاضر ومجدها الخالد هو الإسلام لأن تاريخ العرب إنما هو تاريخهم الإسلامي ومن معجزات الإسلام أن صنع أمة ليس لها في وحدتها نظير تلك الوحدة الإسلامية الكبيرة التي يشهدها العالم كل العالم من على الشاشات الفضائية المنقولة من أرض المقدسات المسجد الحرام ومن المشاعر المقدسة في كل موسم من مواسم الحج، وهو ما تشرف عليه وزارة الثقافة والإعلام السعودية جزاها الله كل خير وهي تظهر للعالم وشعوبه المختلفة قيمة الدين الإسلامي والإيمان الكبير مع الجموع الهادرة، حيث يقوى الإيمان، ومن أعماق القلوب يكون الهتاف والدعاء في رحلة العمر بأن الخلود لله وحده لا شريك له، وهو صاحب العطاء المستمر الذي لا ينقطع وما دون ذلك ما هو إلا مجرد أضغاث، وفي مشاعر الحج يكون المسلم أقرب إلى الله تعالى ثم أقرب لأخيه الإنسان المؤمن رجالاً ونساءً وهم يلبون تلبية الإسلام يوم الحج الأكبر في جبل عرفات ومن أعلى قمة جبل الرحمة.
وفي جبل الرحمة تتذكر جموع الحجيج مضمون خطبة الرسول عليه الصلاة والسلام الجامعة التي ألقاها في هذا النوع المقدس من السنة العاشرة للهجرة النبوية بحضور الألوف من كل فج وحدب من المدائن والبوادي، من الجبال والصحاري من كل بقعة من الجزيرة العربية ومن البلاد العربية المترامية الأطراف التي استنارت كلها بنور الله ونور نبيه الكريم وقدر عدد الذين لبوا دعوة نبيهم رسول الله عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم أربعة مائة ألف أو يزيدون، وجاؤوا إخوة متعارفين تجمع بينهم المودة الصادقة والأُخوة الإسلامية لمشاركة رسول الإسلام في تأدية مناسك الحج فقال رسول الله عليه الصلاة والسلام مخاطباً هذه الجموع الغفيرة: (أيها الناس اسمعوا قولي فإني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا بهذا الموقف أبدا، أيها الناس، إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام إلى أن تلقوا ربكم كحرمة يومكم هذا، وكحرمة شهركم هذا، وإنكم ستلقون ربك فيسألكم عن أعمالكم، وقد بلغت).
وقال: (أما بعد، أيها الناس فإن لكم على نسائكم حقا ولهن عليكم حقا، لكم عليهن ألا يأتين بفاحشة بينة فإن فعلن فإن الله قد أذن لكم أن تهجروهن في المضاجع وتضربوهن ضرباً غير مبرح، واستوصوا بالنساء خيراً فإنهن عندكم عوان - أي أسرى- لا يملكن لأنفسهن شيئاً، وإنكم إنما أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمات الله).
وقال: (فاعقلوا أيها الناس قولي فإني قد بلغت، وقد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبدا أمراً بينا: كتاب الله وسنة رسوله).
وقال: (أيها الناس: اسمعوا قولي واعقلوه، تعلمن أن كل مسلم أخ للمسلم وأن المسلمين إخوة فلا يحل لامرئ من أخيه إلا ما أعطاه عن طيب نفس منه، فلا تظلمن أنفسكم، اللهم هل بلغت).
فلما بلغ خاتمة كلامه قال: (اللهم هل بلغت، أجابه الناس من كل صوب: نعم. فقال: اللهم اشهد).
ولما أتم النبي عليه السلام خطابه نزل عن ناقته القصواء، وأقام حتى صلى الظهر والعصر ثم ركبها حتى الصخرات وهناك تلا عليه السلام على الناس قول الله تعالى: ?الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينا? (سورة المائدة: الآية 3) من كتاب حياة محمد تأليف محمد حسين هيكل، تعريف بالكتاب بقلم الشيخ محمد مصطفى المراغي.
وقال الله تعالى في أصدق كتابه مخاطبا رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم: ?إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً?، ?هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدا? (سورة الفتح، الآيات 8 و9 و28).
?وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَاماً وَرَحْمَةً وَهَذَا كِتَابٌ مُّصَدِّقٌ لِّسَاناً عَرَبِيّاً لِّيُنذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ? (سورة الأحقاف، الآية 12).
وقال عز من قائل: ?تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ?(سورة البقرة، الآية 229).
والحقيقة الناصعة التي وردت في كتب السلف الصالح رضوان الله عليهم أن الهجرة النبوية إلى مدينة (يثرب) مدينة الرسول الأكرم قد زخرت بدروس كثيرة وعبر خلاقة من خلال الجهاد الذي بذله رسول الله صلى الله عليه وسلم بشأن تبليغ الدعوة الإلهية وبتلك الجهود المحاطة بالحكمة والروية والصبر مع الأديان السماوية الأخرى من أجل تحقيق التعاون المشترك في هذا الكون على البر والتقوى بين البشرية عامة وأمة الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها إنما يتطلب التحقيق في فقه التراث الإسلامي العظيم، والالتزام بكل المعاني السامية لشريعة السماء التي تقوم على ركائز ثابتة لوحدانية الله سبحانه وتعالى وعلى طاعة أوامره وإطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم ليقوم ميزان المحبة والإخلاص والتعاون الصالح بين المجتمعات الإنسانية، على اعتبار أن رسالة الإسلام لها كثير من المعاني الخلاقة العظيمة ليلتزم بها كل مؤمن بشريعة الله.
لقد أكد التاريخ الإسلام المجيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استطاع خلال سنوات قليلة من نبوته أن يوحد عرب الجزيرة العربية ويدخلهم جميعا رجالا ونساء في طاعة الله تعالى وفي هذا الدين الحنيف القويم.
لقد كانت رسالة الإسلام التي نزلت على رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم الدعوة إلى الحق وهو مفتاح مبارك يخول حامله شق طريق الخير والبر، وفتح باب الرحمة واللطف والرعاية الربانية ولابد من الاستعانة بالله وحسن القصد، وطيب الخلق والصبر، للوصول إلى النور والهدى، ثم إلى الفوز بالرضى العميم.
إن شريعة الإسلام ما تركت صغيرة ولا كبيرة إلا أحصتها وأضاءت النور للإنسان للسير في ميدان الحياة بكل وضوح وملأت الكون البشري نوراً وإشراقاً، لذلك كانت رسالة الإسلام أعظم تاريخ للحضارة.
لقد كان كتاب الله العزيز حجة الله القطعية على نبوة الرسول المصطفى عليه الصلاة والسلام ومعجزة إلهية أراد الله بها أن يؤمن الناس كافة على اختلاف جنسياتهم ومعتقداتهم، كما في قوله تعالى: ?قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ? (سورة يوسف، الآية 108)، لذلك يريد الله سبحانه وتعالى من كل إنسان على هذه الأرض أن يتخذ هذا الدين طريقة ومنهجاً للحياة الإنسانية الفكرية والعملية، وأداباً للحكم ونظاماً للتعامل، ولا يجوز لمسلمين متمسكين في دينهم أن يخرجوا على هذه القواعد، ومن واجبنا أن نحسن فهم النصوص ونتعمق في إدراك حكمتها وغاياتها حتى نحسن تطبيقها على مجتمعاتنا باعتبارها مصدراً من الله تعالى موجهة لكل مؤمن وسعادته، وهي أقرب إلى الصلاح وأبعد من الفساد حتى يرث الله الأرض ومن عليها.
ولهذا يجب أن تكون شريعتنا الإسلامية المأخوذة عن سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم شيئاً ينمي الإيمان به وبرسالته السماوية، ويزكي الخلق الحسن في المسلمين عامة، ويلهب الشعور الخالص لدين الله سبحانه وتعالى باعتناق الحق والوفاء لرسولنا العظيم عليه الصلاة والسلام في قوله تعالى: ?يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُّبِيناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ بِاللّهِ وَاعْتَصَمُواْ بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً? (سورة النساء، الآيتان 174 - 175).
وفي قوله تعالى: {مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً} (سورة النساء، الآية 80).
ومن هذه الآيات ما يبين أن الله جل شأنه قد كلف أنبل الناس خلقاً وأكملهم رشداً وأنضجهم رأياً لحمل رسالة الإسلام ولتكون لخير أمة الإسلام خاصة وللإنسانية عامة.
وإلى حلقة ثانية للحديث عن اللفتة الكريمة التي أطلقها ملك الإنسانية خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز رعاه الله وألبسه ثوب الصحة والعافية من العارض الصحي الذي ألم به في مطلع شهر ذي الحجة الماضي وكشف بشفافية عن هذا العارض المفاجئ لصحة قائد المسيرة السعودية حفظه الله وتحدث فيه عن نساء الوطن السعودي قائلا: ما شفنا من النساء إلا كل خير.